العوامل الطاردة لهجرة السوريين ونتائجها

التداخلات الديموغرافية بين بلدان العالم بدأت منذ قرون ولن تتوقف في السلم أو الحرب، وأدت من جهة ثانية إلى اختلاط دماء الشعوب ورفض (نظرية الدماء النقية) التي تبنتها النازية.

لقد بلغت هجرة السوريين من جميع الأعمار والأجيال نقطة الأوج في ظلّ أزمة نمت وتطورت وتكافلت وتضامنت فيها عوامل داخلية وخارجية. والهجرة بنوعيها (الداخلية والخارجية) إمَّا أن تكون هجرة إرادية أو هجرة قسرية.. وفي الحالتين هناك عوامل طاردة وعوامل جاذبة.

إن أكثر ما تأثَّرت به سورية من نتائج الهجرة الخارجية انخفاض نسبة الشباب بالنسبة إلى عدد السكان، خاصة ما أنتجته الحرب من تغيرات سكانية وتداخلات بشرية في مختلف المناطق السورية، وزيادة الكثافة السكانية في مناطق وتدنيها إلى أسفل الهرم السكاني في مناطق أخرى، بسبب القتال الدائر ضد الجماعات الإرهابية المدفوعة من مئة دولة للتوطن في سورية والمدفوع لها من أموال النفط الخليجي، وبهدف بناء الدولة الإسلامية الوهمية أو المبنية على قاعدة الخرافات والأساطير المندثرة والأوهام والأحلام الميتة قبل تكون نواتها.

ولم يعد خافياً على أحد أن العوامل الطاردة أقوى بألف مرة من العوامل الجاذبة للهجرة الخارجية.. فالإرهاب وتفاعلاته من عمليات الخطف والقتل والتضييق وانعكاسها على حياة السكان في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، وما يصدره التكفيريون من قرارات وقوانين سوداء لم يصدر مثيل لها حتى في زمن الاستعمار العثماني وسيطرة النازية والفاشية.. ومن الأسباب الأخرى: الأذى الذي لحق بالمواطنين من هدم منازلهم وفقدان العمل وموت المعيلين والأبناء، والانتقال إلى أماكن الإيواء جميعها أدت إلى تباين في الحياة اليومية وتراجع مستوى المعيشة حتى بالنسبة للفقراء الذين هم من أكثر المتضررين.

وأصبح المهاجرون من (غير المدللين) أي الذين اعتمدوا على المهربين وسماسرة الهجرة والمحتالين والنصَّابين، هم أكثر الضحايا، فالأسر قد تشتتت وتوزعت في بلدان عدة.. وتعرّض من لا يملك المال والفيزا للإذلال. وإذا وصلوا إلى مقاصدهم بأمان ولم يغرقوا في البحار والخلجان فأحلامهم وأوهامهم قد تبددت في مجمعات (الكمبات) وحياة الإذلال والعوز والشروط القاسية المفروضة عليهم.. وانتشرت أخبار متفرقة وغير مبالغ بها عن حياة المهاجرين وطالبي اللجوء بنوعيه (الاجتماعي والسياسي)، كيف تُحدَّد لهم ساعات الخروج في مساحة معينة وأوقات معينة وتدني الخدمات وازدياد القلق والتهديد بإعادتهم إلى سورية، إضافة إلى صعوبة تعلم اللغة ودخول الأطفال إلى المدارس والحصول على الإقامة. أما المهاجرون بالطرق الرسمية والقانونية فهم أوفر حظاً، خاصة إذا كانوا من خريجي الجامعات والأطباء والمهندسين وأصحاب الأموال والعاملين بالمطاعم والتجارة والمهن المختلفة ومن الذين ينطبق عليهم مبدأ (لمّ الشمل).

ما زالت الإحصائيات غير متوفرة تماماً عن عدد المهاجرين السوريين وتوزعهم في عشرات البلدان. ففي السويد أشارت بعض الدراسات إلى أن أعلى نسبة من حاملي الشهادات الجامعية هاجروا إلى السويد. وأن 37 في المئة من المهاجرين واللاجئين السوريين الواصلين خلال عام 2014 يحملون شهادات أعلى من الشهادة الثانوية. وتفوق نسبة التعليم من السوريين الحاصلين على شهادات عليا نسبة 10 في المئة من جميع البالغين السويديين العاطلين من العمل والمسجلين في مكتب العمل. فمثلاً عام 2014 قدَّم 1689 لاجئاً سورياً بطلبات لتعديل شهاداتهم في مجلس الجامعات والمعاهد وجرت الموافقة على جميع هذه الشهادات.

ويضاف إلى تجار الأزمات الذين يحملون (مفاتيح الفساد) وأسسوا (أكاديمية للفساد) تخرَّج فيها عشرات الألوف، قد شكلوا تربة نتنة متعفّنة سيئة جداً وغير صالحة لإنبات الأشواك.. وهؤلاء وأمثالهم يبيعون الوطن والأهل بحفنة من الريالات السعودية أو الدولارات الأمريكية.. يضاف إلى هؤلاء مجاميع (النصب والاحتيال) وهم في ازدياد مستمر، استغلوا ما تتعرض له سورية منذ عام 2011 ، وحددوا أجور التهريب على زوارق غير آمنة بألوف الدولارات بين (8000 و 12000) دولار للشخص الواحد.

كثيرون من متوسطي الدخل ومن الفقراء باعوا ملكياتهم من (البيوت والأراضي الزراعية)، وخصصوها لتأمين هجرة أبنائهم أو هجرة العائلة بالكامل، ولكن في معظم الأحيان لم تجرِ الرياح بما تشتهي سُفن الهجرة، فغرق الألوف ومات كثيرون بسبب البرد والجوع ..الخ.

أهم نتائج الهجرة هي تفريغ سورية من الشباب والعقول.. وتقديم الإغراءات وتنفيذ أهداف استعمارية قديمة تتجدد في ظل الأزمة السورية وأزمات المنطقة قاطبة.

العدد 1107 - 22/5/2024