انتقادات للسياسات الحكومية.. في الملتقى الاقتصادي العمالي الأول.. تعزيز صمود العامل وتحسين وضعه المعيشي

أقام الاتحاد العام لنقابات العمال الملتقى الاقتصادي العمالي الأول تحت عنوان: (الواقع الاقتصادي وتعزيز مقومات الصمود) بحضور رسمي وشعبي، وذلك يوم الاثنين 25أيار 2015 وطرح خلال جلسات الملتقى الأربع توجهات جديدة وانتقادات لم ترق لعدد من أعضاء الفريق الحكومي، فانبروا مدافعين عن سياساتهم وإجراءات الحكومة التي اعتبرها الكثيرون أحد أسباب الأزمة، وتدني مستوى معيشة المواطن نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار، ولفت الحضور إلى زيادة الاحتكار وسط غياب الرقابة والقوانين الرادعة، وما كادت الجلسة الأولى تنتهي حتى سارع المسؤولون إلى مغادرة القاعة ما أثار امتعاض الحاضرين، ونقداً من معظم المحاضرين.

في بداية الملتقى بيّن رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري أن هدف الملتقى هو الحوار وتبادل الخبرات ووجهات النظر، وتسليط الضوء على الزوايا غير المرئية في خارطتنا الاقتصادية، والبحث في الواقع الاقتصادي والمعيشي لأوسع شرائح المجتمع وأكثرها فقراً وصموداً (العمال والفلاحين وصغار الكسبة) الذين أثبتوا خلال الأزمة عظمة إيمانهم بوطنهم.

أما عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي شعبان عزوز فشدد على ضرورة تعزيز صمود الاقتصاد الوطني والاستفادة من تجارب الآخرين، ورسم السياسات الاقتصادية المساهمة في التخفيف من معاناة المواطن وتعزيز موارد الدولة للوصول إلى التعافي المأمول، والتفكير في مرحلة إعادة إعمار ما دمرته الحرب عبر إعادة النظر في السياسات المالية والنقدية بما يتوافق مع طموح المواطن ويعزز منعة الوطن.

إبراهيم: العقوبات تدمر الإبداع

تناول د.غسان إبراهيم تأثيرات الحرب والعقوبات على مسيرة الاقتصاد الوطني، مبيناً أنَّ العقوبات حرب بطيئة تؤدي إلى تدمير الموارد والطاقات على مراحل قاصداً القدرة على الإبداع وليس التدمير المادي منبهاً إلى أن هذه الموارد الذاتية تحتاج إلى أجيال حتى تعوض، لافتاً إلى الأثر الإيجابي للعقوبات على الدول، المتمثل بتوسيع اعتمادها على مواردها وتعزيز اقتصادها وقدراتها المحلية أو التنمية الذاتية.

وبين أن العقوبات الاقتصادية غير موجودة في القوانين الدولية وإنما هي من اختراع الولايات المتحدة الأمريكية وفرضتها 163 مرة على عدد من الدول، مؤكداً أنَّ هدف العقوبات كان دائماً تحقيق مصالح من يفرضها لا معاقبة الخصم.

أشار إلى أن صمود سورية جعل الحرب عليها تطول، داعياً إلى العمل لجعل العقوبات تصب في مصلحة اقتصادنا الوطني، مؤكداً عدم جدوى العمل التنموي في ظل غياب الاستقرار الأمني.

الحمش: اقتصاد الحرب.. حقيقة غابت عن الكثيرين

بدوره تناول د.منير الحمش موضوع السياسات الاقتصادية في زمن الحرب فأكد أن الاقتصاد الوطني رديف طبيعي للجيش، لذا يجب أن نتعامل معه كاقتصاد حرب، علماً أنها حقيقة غابت عن الكثيرين منذ بداية التحركات الاجتماعية، كما انتقد السياسات الليبرالية التي طبقت خلال العقد الماضي تحت مسمى اقتصاد السوق الاجتماعي، فهي ساهمت بزيادة البطالة والفقر وإهمال الريف وإغلاق آلاف المعامل وتراجع التعليم وانتشار الفساد، لافتاً إلى التوجه الخاطئ الذي سمح للبضائع التركية بغزو أسواقنا بعد أن فتحنا الباب للأتراك على مصراعيه، وكان ذلك سبباً في دخول الأسلحة والمخدرات إلى سورية، وللأسف جهاتنا المختصة لم تكن تدرك أبعاد ذلك، وطرحنا حينذاك شعار (التمكين قبل التحرير خطأ جسيم)، والمقصود تحرير التجارة.

وبين الحمش أنه على الرغم من دور تلك السياسات في إيصال البلاد إلى وضعها الراهن، وأنها شكلت التربة التي نمت فيها المجموعات المعارضة إلا أن الحكومات التي جاءت خلال الأزمة لم تدرك هذه الحقيقة واستمرت في تنفيذ هذه السياسة، ولفت إلى تفاقم معاناة المواطنين خاصة بعد تخفيض الدعم وارتفاع الأسعار ما أدى إلى إنهاك الاقتصاد وتمظهر ذلك بفقدان الموارد وارتفاع سعر الصرف ارتفاعاً منطقياً، مؤكداً أن الدستور السوري ينص على أن الحامل الأساسي للاقتصاد هم العمال وصغار الكسبة وذوو الدخل المحدود، والسياسة الوطنية كانت تعبر عن مصالح هؤلاء، وطالب بإعادة الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة وإعادة احتكار السلع الأساسية بالقطاع العام ومنع الاتجار بها.

حورية: الطبقة العاملة بحاجة إلى سياسات اقتصادية تحقق حياة كريمة للمواطن

أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام لنقابات العمال عمر حورية سلط الضور على تأثر الطبقة العاملة خلال الحرب الراهنة، مؤكداً أن الطبقة العاملة هي حامل اقتصادي واجتماي وسياسي، وهي الأكثر تأثراً بسياسات وقرارات الحكومة التي تنعكس على مستوى معيشتها، لافتاً إلى أن الطبقة العاملة وذوي الدخل المحدود كانوا أكثر المتضررين من الأزمة التي ارتفعت فيها الأسعار دون أن ترتفع الأجور، مشيراً إلى عدم إمكانية رفعها حالياً.

وأشار حورية إلى أن الحرب رفعت نسبة البطالة بين العمال من 8,8% عام 2010 إلى نحو 40% حالياً، وخرجت آلاف المعامل من الإنتاج وانخفضت القوة الشرائية وتراجعت المؤشرات التنموية والإنتاجية، وانخفضت قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وارتفعت نسب الاستيراد.

إسماعيل: المركزي للإحصاء لا ينشر أرقامه بسبب طلب حكومي

بين وزير المالية د.إسماعيل إسماعيل أنه كان يتمنى تقديم مقترحات ورؤى خلال الجلسات تساعد الحكومة في عملها، مؤكداً وجود إحصائيات وأرقام جديدة لدى المكتب المركزي للإحصاء، ولكنه لا ينشر نتائج عمله لأن هناك طلباً من الحكومة بعدم النشر، وبالمقابل لا نخفيها عمن هم بحاجة إليها.

وأكد إسماعيل وجود احتياط استراتيجي من المخازين والمواد التموينية، ولا تزال الحكومة تقدم وتتولى تأمينها عن طريق القطاع العام، بالمشاركة مع القطاع الخاص، ولولا مؤسسات التدخل الإيجابي لكان الوضع أصعب بكثير.

ميالة: نحرك أموالنا في الخارج ونمول مستورداتنا

وبين حاكم مصرف سورية المركزي د.أديب مالية في رده على المداخلات أن العقوبات على سورية مجحفة وكان أثرها كبيراً، مشيراً إلى تمكّن سورية بإمكاناتها الموجودة والمحدودة من تجاوزها في وقت عجزت كبرى دول العالم عن مواجهة مثل الأزمة التي نواجهها، وعلى الصعيد المالي مازلنا حتى الآن نستطيع أن نحرك أموالنا في الخارج ونمول مستورداتنا لتأمين احتياجات الشعب، أما السياسة النقدية فنحن نقوم بتأمين احتياطات الاقتصاد الوطني والحفاظ على سعر صرف الليرة، وليس كما يقول البعض إننا نتعامل مع المزادات والصرافين، مؤكداً أنه تحليل سطحي جداً لأننا نعمل على تأمين حاجات الاقتصاد الوطني والحفاظ على سعر الليرة واستقرارها، لافتاً إلى أن ما قام به المركزي من مزادات وقرارات كلها كانت بقرار من الحكومة واقتراح من الحاكم أولاً.

وحول النقد الذي وجّه لاقتصاد السوق الاجتماعي بين ميالة أنه أحد أهم مقررات المؤتمر القطري العاشر ولا يجوز أن نحمّل مسؤولية ذلك لشخص، وإن إزالة الحدود مع تركيا التي تحدث عنها المحاضرون لا يجوز الخوض فيها لأنها كانت عبارة عن توجه سياسي.

السيوفي: في الأزمات لا وقت للتعلم والتجريب

أما د.قحطان السيوفي فقدم عرضاً بعنوان (التدخل الإيجابي للدولة لمواجهة تداعيات الأزمة)، وأكد خلاله أن التدخل الإيجابي للدولة يحتاج إلى الشجاعة والحكمة والواقعية والخبرة وضرورة توفرها في القرارات الصادرة عن مسؤولي الدولة، وضرورة التعامل مع المواطن بصدق وشفافية وامتلاك القدرة على المبادرة والإبداع ومحاربة الفساد والمحاسبة، مشدداً أنه في الأزمات لا مجال للتعليم والتجريب، مبدياً شكره وتقديره الحكومة للجهود التي بذلتها وساهمت في هبوط سعر الدولار متسائلاً: أين ذهبت الكتلة الضخمة من الدولار التي تم ضخها؟ هل اتجهت فعلاً لتمويل الاستيراد أم ذهبت إلى المضاربين والسماسرة أم إلى الخارج..؟

وعرض السيوفي مجموعة من المقترحات، منها خروج الحكومة بسياساتها وإجراءاتها الاقتصادية والمالية والضريبية والنقدية عن الأساليب التقليدية، وتشكيل خلية أزمة اقتصادية تتبع لجهة عليا تقدم المقترحات لتفعيل تدخل الدولة.

القلاع: القطاعات الإنتاجية رافعة للنمو الاقتصادي

رئيس اتحاد غرف التجارة السورية محمد غسان القلاع أكد ضرورة التركيز على القطاعات الإنتاجية الحقيقية الرافعة لنمو الاقتصادي، مشدداً على الاهتمام بالزراعة لأنها الضمانة الأساسية للصمود، مبيناً أنه لولا ما ندخره من مواد لما استطعنا أن نقف حتى الآن. وأكد أن الدعم الأول يجب أن يكون للزراعة بشقيها النباتي والحيواني، لافتاً إلى أن المياه في المستقبل ستكون محدودة، ما يتوجب انتقاء زراعات مناسبة بما يتناسب مع كمية المياه المتوافرة على أن يعمل على إيجاد زراعات وصناعات متخصصة تلائم كل منطقة، مشدداً على ضرورة تحديد الأولويات، المفترض تركزها على تعزيز متطلبات المعيشة.

وطالب بالتركيز على تعظيم القيم المضافة للمنتجات الزراعية، وإعادة ترتيب أولويات الصناعة المحلية قطاعياً ومكانياً وبنيوياً من خلال التركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، واعتماد خارطة استثمارية لإعادة تموضع الصناعات وفق ميزات كل منطقة واحتياجاتها، والتركيز على إعادة إصلاح الفروع التي توفر مستلزمات المعيشة لأنها الأساس في إعادة البناء.

جبلاوي: حشد الطاقات للصمود

وتناول بسام جبلاوي تعزيز دور الطبقة العاملة في مسيرة الصمود وشدد على أهمية الروح المعنوية في تحقيق النصر وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي تتعرض لها سورية، وأهمية التمسك بالوطن ومبادئه وإتقان العمل وتحمّل المسؤولية، وتنظيم الجهود وتعزيز المبادرات الفردية والجماعية، داعياً إلى حشد طاقات الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدعم اقتصادنا الوطني وصمود الجيش في وجه التحديات والعقوبات والحصار الاقتصادي المفروض على سورية.

الشهابي: غياب السياسة الاقتصادية الواضحة

تحدث رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي عن (التعافي الاقتصادي.. واقع وتحديات – الصناعة أنموذجاً) فانتقد السياسات الاقتصادية التي لم تنجح برأيه في الحفاظ على استمرارية المعامل التي أقلعت في مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب ولم تشجع على استمرارية عودة المنشآت إلى العمل، مؤكداً عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة حتى الآن، ولا بديل عن إعادة حركة الإنتاج لأن في ذلك يمكن أن يتحقق استقرار أسعار الصرف وزيادة القطع الأجنبي، وسياسة التحصيل التي تتبعها الحكومة تدمر الاقتصاد الوطني ولن تنقذه، وهي تساهم في تطفيش الصناعيين والمستثمرين وتعمل على محاربتهم، مطالباً الحكومة برعاية الصناعيين والسعي لحل مشاكلهم وليس اعتبارهم أعداء يجب الثأر منهم، وإذا عادت عجلة الإنتاج يمكن أن نطالب الصناعي بدفع ما عليه للدولة.

العدد 1107 - 22/5/2024