الحركة النسائية في سورية في فترة ما قبل الاستقلال وبعده

نهضت المرأة السورية مع النهوض الوطني البرجوازي في المنطقة ضد الظلم والاستبداد الإقطاعي العثماني، وسجل لها التاريخ صفحات خالدة في نضالها ضد الاستعمار التركي، وفي نشر الوعي بين المواطنين، وبرزت نساء جريئات رغم ظلم عادات المجتمع وتقاليده.

ففي أيام الحرب العالمية الأولى، وما رافقها من مآس ونكبات وظلم واضطهاد نتيجة الاحتلال التركي للبلاد، تعالت الأصوات تنادي بالحرية والاستقلال وطرد المحتلين، وقد تعرض العديد من المناضلين الوطنيين للقمع وزُجّ بهم في السجون، ونالوا شتى أنواع التعذيب والنفي وحتى الإعدام.

شاركت المرأة حينذاك ضمن إمكاناتها في النضال ضد الاحتلال التركي، بنشر الوعي القومي بين المواطنين، وبمشاركتها في الجمعيات السرية لمقاومة عملية التتريك، ولعبت دوراً نشيطاً في ذلك، وقد برز العديد من المناضلات ضد الاحتلال، منهن عادلة بيهم الجزائري، وفاطمة المحصاني اللتان قامتا بناء على طلب الثوار بالسفر إلى بيروت لإنقاذ وثائق سرية للثوار، كانت مدفونة في أحد المزارات خوفاً من وقوعها بأيدي السلطات العثمانية، وماريا مراش من حلب، الشابة التي كتبت ونظمت الشعر الوطني الحماسي ضد الاحتلال، وماري عجمي التي أسست أول مجلة نسائية لها طابع سياسي (العروس)، أعلنت تضامنها مع المحكومين السياسيين، وزارت السجون التي ملأها الطاغية جمال السفاح بالمناضلين، وعندما اعتقل شهداء السادس من أيار وأحيلول إلى المحكمة العسكرية في عاليه، عبّرت ماري عجمي في مقالاتها عن استغرابها العميق من توجيه تهم الخيانة إلى من يعملون لتحرير وطنهم، وشاركت في المظاهرات التي استنكرت اعتقال الأبرياء وتقديمهم للمحاكمة.

الجمعيات النسائية قبل الاستقلال

في السنوات الصعبة التي مرت على البلاد، يوم جاع الشعب وتعرض للذل والهوان، اندفع عدد من النساء الواعيات للقيام بنشاطات فيها خير للبلاد وخلاص من القهر.

وقد أدركت النساء حينذاك أن العمل المجدي لا يكون إلا بتجميع القوى وتنظيمها وتعاونها فيما فيها. فأخذن يشكلن جمعيات أو لجاناً نسائية، منها جمعية (يقظة الفتاة العربية) التي تأسست عام ،1915 وقامت بنشاط ملموس لتعليم الفتيات، وعملت على إيقاظ الوعي الوطني لدى الإناث، إيماناً منها أن التعليم يساعد على انتشال الفتيات والنساء من هوة التخلف، ويساعدهن على القيام بدورهن الوطني والاجتماعي.

كما تأسست في هذه الفترة جمعية (الأمور الخيرية للفتيات العربية)، كان هدفها الحقيقي تسهيل تعليم الإناث بفتح مدرسة وناد، ورفع مستوى الوعي لدى المرأة.

كما أنشئت جمعية (العمل) عام 1919 وهدفها تشغيل المرأة، وقد افتتحت داراً للصناعة ضمت 1800 عاملة.. وفي عام 1918 تأسست جميعة (نور الفيحاء)، التي كان هدفها الدفاع عن الروح العربية الاستقلالية.

كان تشكيل هذه الجمعيات محاولات جدية طيبة لرفع شأن المرأة بتعليمها وتشجيعها على العمل المنتج وتوعيتها وطنياً وسياسياً، وجعلها عضواً فعالاً في المجتمع، إضافة إلى بعض الجمعيات الخيرية التي كان اهتمامها بصحة الأم والطفل، مثل جمعية (نقطة الحليب) وغيرها.

وفي عام 1919 شهدت دمشق أول مظاهرة نسائية تهتف بسقوط الاحتلال التركي، وقد أطلقت قوات الاحتلال الرصاص على المتظاهرات، فأصيب بعضهن بجروح.

ولما حاول الفرنسيون اجتياح سورية، تشكلت جمعية (النخبة الحمراء النسائية) في 7 تموز عام 1920 وكانت الغاية من ذلك تأدية أعمال الصليب الأحمر في السلم والحرب.

في عام 1925 اعترى الحركة النسائية في سورية ما اعتراها من ركود، ولم يكتب لمعظم هذه الجمعيات استمرار النشاط، وحجب طاقات المرأة عن المساهمة في التطور، وكان ذلك للحرب العالمية الأولى، والنضال ضد الحكم التركي، والاستقلال السريع الذي لم يدم طويلاً، بل مر كلمح البصر، إلى الاحتلال الفرنسي الذي بدأ يلاحق كل تجمع ونشاط وطني، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتخلف في البلاد، والمفاهيم التي نشرتها وعمقتها الطبقات المستثمرة.

إلا أن تأثير هذه التجمعات النسائية أغنى وعمّق التجربة النضالية اللاحقة للمرأة، ودفعها لمحاولات متنوعة لإيجاد أشكال جديدة من التنظيم. ففي الثلاثينيات تأسست جمعية (يقظة المرأة الشابة) عام 1927 وجمعية (دوحة الأدب) في دمشق عام 1928 وقبيل الاستقلال تأسست جمعية (الندوة الثقافية) في دمشق عا م1942.

وقامت على رعاية بعض هذه الجمعيات مجموعة من النساء المناضلات المثقفات، أبرزهن عادلة بيهم ونازك العابد من دمشق وغيرهن.. وقد هدفت هذه الجمعيات النسائية الأولى التي تأست قبيل الاستعمار الفرنسي، وخلال وجوده، إلى تعليم المرأة وتوعيتها وحثها على المشاركة في النضال ضد الاستعمار، وزجها في العمل بوصفه طريقاً أساسياً لتحرير المرأة، لكن الظروف التي أحاطت بهذه الجمعيات جعلتها غير قادرة على التأثير الفعال لتعبئة جماهير النساء الواسعة إلا ضمن فئة محدودة منهن، وخاصة بين اللواتي نلن قسطاً من التعليم.

واستخلصت هذه الجمعيات أن قوتها في وحدتها، فشكلت ثلاث منها نواة ل(اتحاد عربي نسائي) في دمشق عام 1933 وشرعت هذه النواة من الاتحاد تجمع إليها مع الزمن الجمعيات التي بقيت واستمرت في نشاطها.

وقد قدّم هذا الاتحاد جهوداً جيدة في مجال دفع المرأة للنشاط الوطني والاجتماعي، وكان له دوره الكبير في الإضراب الخمسيني ضد المستعمر الفرنسي عام 1936.

ونشطت فيما بعد حركة تأسيس الجمعيات النسائية في سورية أثناء فترة النضال من أجل الاستقلال حتى تجاوز مجموعها خمسين جمعية نسائية، منها (اتحاد الجمعيات النسائية في دمشق، عام 1944)، الذي لعب دوراً هاماً في الكفاح الشعبي الشامل عام 1945 أثناء العدوان الفرنسي على سورية، كما تشكلت جمعية (الإسعاف العام النسائي) عام 1945 وغيرها.

الحركة النسائية بعد الاستقلال

بعد الحرب العالمية الثانية، والانتصار على الفاشية ونشوء منظومة الدول الاشتراكية، تأسست تنظيمات ديمقراطية لها طابع عالمي، مثل الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي يحتفل هذا العام بالذكرى السبعين لتأسيسه، واتحاد النقابات الديمقراطي العالمي، واتحاد الشباب الديمقراطي، فوجدت مساحات جديدة لنضال المرأة على النطاق العالمي والوطني، وانعكس ذلك بشكل أو بآخر على أوضاع نساء العالم كله، وبضمنهن نساء بلادنا.

كانت بلادنا لاتزال تعيش ذكريات النضال ضد المستعمر، وكانت في ذاكرة المرأة لمحات رائعة من معارك الاستقلال التي خاضها شعبنا، وشاركت فيها يوم كانت تضع (القمطة) على رأسها، وتحمل (صرّة) الطعام إلى الثوار، وتخفي تحت إزارها الرسائل، وتخبئ الأسلحة في سلال الفاكهة، وقد سجل التاريخ بفخر ما قامت به المرأة من نضال ومشاركة في جميع أدوار الصراع ضد الأجنبي منذ بداية الاحتلال حتى الجلاء، ألوان من النضال مارسها شعبنا، ولم تكن المرأة بعيدة عن هذا النضال يوماً.

في بداية عهد الاستقلال انتقل النشاط النسائي في سورية إلى ميادين أوسع نسبياً، وراحت معالم النشاط الاجتماعي تتوضح أكثر، ويتعاظم بشأن هذا النشاط، فظهرت جمعيات نسائية تطالب بمشاركة المرأة في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما طالبت بالمساواة وعدم التمييز بين المرأة والرجل.

العدد 1104 - 24/4/2024