ترَّهاتٌ.. بدعم حكومي ومدني

انتشر مفهوم علم الطَّاقة بين الشَّباب والشَّابات في الآونة الأخيرة بشكلٍ مثيرٍ للانتباه، وللجدل أيضاً، وباتت المراكز المعنية بهذا الموضوع أكثر من المراكز الطبية أو المراكز الثَّقافية، فهي تجذب العديد من الأشخاص، لا سيما حملة الشَّهادات الجامعية العليا اختصاص تربية وعلم نفس وعلم اجتماع، لظنِّهم أنَّ هذا المفهوم أو ( العلم ) كما يسمونه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدراستهم.

من خلال تواصلي اليومي مع البعض منهم لم ألمس أي ارتباط حقيقي بين دراستهم وما يدَّعونه علماً، ولم أجد انعكاساً ملموساً لما يتلقَّونه في تلك المراكز على حياتهم الشَّخصية أو المهنية، فعلى أقل تقدير من المفترض أن باستطاعتهم التَّحكم بانفعالاتهم الشُّعورية واللَّاشعورية وضبطها، فهم لطالما يتبجَّحون بقدرتهم على التَّحكم بالطَّاقة الرُّوحية للإنسان، لكن الواقع أثبت لي عكس ذلك.

إحدى الأمثلة مرشدة اجتماعية في مدرسة ابتدائية، بدأت بنشر بضعة تمارين بين التلاميذ تحت مسمَّى( اليوغا في الصَّف ) معتقدةً أنها ستتمكن من جذب الأطفال إلى علمها هذا، إلا أن النَّتائج كانت سلبيةً تماماً، فهي وعلى المستوى الشَّخصي لم تتحمَّل رفض غالبية الأطفال المعروفين بالحركة المتَّقدة لهذا النَّوع من الحركات التي تعتمد على الهدوء التَّام، ولم تُعمل عقلها وتتنبَّه للأعداد الهائلة التي يضمُّها الصَّف الواحد، ولم تعكس إحدى أهمِّ قواعد علمها المزعوم المسمَّاة ” الشَّاكرة الثَّالثة ” التي عرَّفتها إحدى دارسات علم الطَّاقة والمروِّجة له بشدَّة راما الدنيا بقولها:

” الشَّاكرة الثَّالثة هي الشَّاكرة العاطفية وتوجد على السُّرَّة تماماً، لونها أصفر ليموني لامع وهي مسؤولة عن العواطف والذَّكاء العاطفي وقوة التَّحليل وحب النَّماء ” أي أن مهمَّتها تحفيز وتنشيط الذَّكاء العاطفي الذي يتكامل مع الذَّكاء الاجتماعي وهذا ما يحتاجه كلُّ مربٍّ للتَّعامل مع الأطفال لا سيما في ظل الخراب المسيطر على كل مجالات الحياة اليوم، بل إن تلك المرشدة أمست أكثر تحفُّزاً وسوداوية ولا مبالاة، ولم تقنعنا لا كباراً ولا صغاراً بعلمها رغم كل وسائلها التي لطالما لمسنا الانفصال الملموس بين اللَّغو الهادف لاستقطاب المزيد من الرُّواد وبالتالي الكسب المادي فقط، وبين القدرة على تحويل النَّظري إلى واقعٍ عمليٍّ حقيقي.

حقيقة الأمر إن انتشار هذا النوع من التُّرَّهات جاء كرد فعل طبيعي للحالة النَّفسية لإنسان اليوم والتي تُتَرجم من خلال التَّشتت والضَّياع والتَّبعثر، وهنا ربما ليس علينا أن نلوم شخصاً ضائعاً على تلقُّفه لأيِّ أمرٍ يرى فيه بصيص أمل ويسانده للصُّمود أمام مصاعب الحياة، إنَّما المزعج أن هذا الانتشار الرَّهيب بات برعايةٍ رسميةٍ من قبل مؤسسات الدولة أو منظمات المجتمع المدني، فالشَّابة راماقدَّمت العديد من المحاضرات في علم الطَّاقة بمراكز ثقافيَّةٍ عدَّة في دمشق وريفها وفي محافظات أخرى وبالتَّعاون مع وزارة البيئة والأونروا وجمعية حماية البيئة ومنتدى المرأة، بينما نجد نشاطاتٍ ومحاضراتٍ أخرى هدفها النُّهوض الحقيقيُّ بالوعي المجتمعي وثقافته لا تلقى رواجاً بل ويتم رفضها مُسبقاً…

فإن كان الغريق مُستعداً للتعلّق بقشَّة أملٍ لنجاته، فمن المسؤول عن إغفال العقل والتَّرويج المطرد لمثل هذه الترهات؟؟؟

العدد 1105 - 01/5/2024