الإيجار.. حلم سوري آخر

أصبح البحث عن منزل متواضع بأجرة مقبولة معضلة حقيقية لآلاف النازحين من المناطق الساخنة في سورية… إلخ، قضية لا تقل شأناً عن معاناة مخيمات اللاجئين في دول الجوار أو حتى النازحين في مراكز الإيواء..؟! فقد أصبح ما يقارب من مليون و200 ألف منزل تحت الركام، أو تضررت جزئياً، وبات 4 ملايين نازح في الداخل يبحثون عن منازل تؤويهم من التشرد…؟!

قضية شائكة، يبدو أن حلها غير ممكن في الأمد القريب، بل هي مأساة إنسانية تتكرر لدى النازحين وكارثة حقيقية بكل معنى الكلمة لأبناء الوطن الصامد الذين فضلوا النزوح للمناطق الآمنة بدلاً من اللجوء إلى دول الجوار أو حتى الخضوع للوصاية الأجنبية….؟! متوجهين للمناطق الآمنة كي يشاطروا أهلها الأمن والسكينة إلا أنهم لم يحظوا بالراحة والاستقرار، فكان موعدهم مع الابتزاز والاستغلال في أوضح صورة من أبناء جلدتهم وأهلهم من ذوي النفوس الضعيفة لينهبوا منهم ما استطاعوا إليه سبيلاً لقاء الإقامة، مؤثرين الربح الوفير واكتناز المال ضاربين بعرض الحائط المبادئ والقيم التي تحض على الرأفة بالغير، فهي تجارة رابحة للمبتزين ومأساة تتكرر باستمرار للنازحين.. فحتى الآن لم يجدوا لهم آذاناً مصغية فهم ضيوف مرحب بهم لكن بثمن باهظ التكاليف إن دفعوا بقوا وإن لم يستطيعوا باتوا في العراء؟!

بعد مرور أكثر من أربع سنوات من الأزمة وجد معظم الأهالي أنفسهم أمام خيارين: إما القبوع في مخيمات اللجوء في دول الجوار، أو السفر إلى الخارج، أو النزوح إلى مناطق أكثر أمناً… إلا أن نزوحهم لم يحلّ المشكلة، بل فاقم الأوضاع المادية والمعيشية المتردية نظراً لغلاء أجور السكن الذي زاد في بعض المناطق إلى خمسة أضعاف، فمن كان يدخر مبلغاً كبيراً من المال تم انتزاعه منه من قبل صاحب المنزل الذي لم يدع فرضة للمستأجر لاستجماع ماله مهما كانت درجة الضائقة المادية التي يعانيها..؟!! فالمتضررون وجدوا أنفسهم أمام ابتزاز تاريخي لا يقل فتكاً عن القتل والتخريب.

أبو عبدو، أحد القاطنين في محافظة اللاذقية جاء من حلب هو وعائلته هرباً من أعمال العنف، أكد أن الأسعار شهدت ارتفاعاً حاداً لم يسبق لها مثيل..؟!

ذلك أن أجرة المنزل بلغت 60 ألف ليرة شهرياً، ما عدا تكلفة الماء والكهرباء والهاتف التي تصل جميعها إلى 20 ألف ليرة في الدورة الواحدة، واضطراره اصطحاب أقاربه ليقطنوا معه في منزل لا تزيد مساحته عن 110 أمتار للتخفيف من تكلفة الأجرة، فهو المعيل الوحيد ويضيف بأنه يعمل ليل نهار لتأمين الإيجار، بعد أن استدان لتأمين مبلغ 180 ألف ليرة كدفعة أولية عن ثلاثة أشهر، كان قد طلبها صاحب الشقة مقابل أجرة المنزل، فضلاً عن دفع مبلغ 30 ألف ليرة ثمن أتعاب لصاحب المكتب العقاري الذي دله على صاحب الشقة…؟!

أما السيد نضال القادم من إدلب، فلم يكن حظه أفضل من سابقه، فقد اضطر أن يستأجر منزلاً في منطقة الدعتور بمساحة 60 متراً ويدفع 20 ألف ليرة شهرياً رغم أن المنزل يقع ضمن العشوائيات وتجهيزه سيئ للغاية…؟! إلا أنه اضطر للاستئجار لأنه لا يوجد حل بديل.

أصبحت المضاربات بدفع أجرة المنازل السمة الأبرز لممارسات أصحاب الشقق لقلة العرض على حساب الطلب، وهذا ما منحهم فرصة سانحة لجمع أكبر قدر من المال، فهي تجارة رابحة تدر أرباحاً خيالية للمستثمرين في القطاع العقاري.

ويؤكد صاحب مكتب عقاري في منطقة الرمل الشمالي أن أسعار الشقق شهدت ارتفاعاً كبيراً نتيجة تدفق النازحين من المحافظات الأخرى لاسيما من حلب وإدلب، فعلى سبيل المثال زادت الأجرة الشهرية لشقة مفروشة بمساحة 80 متراً من 35 إلى 45 ألف ليرة حسب تجهيزها وقربها وبعدها من السوق وارتفاعها بعد أن كانت أجرتها تتراوح ما بين 15 إلى 18 ألف ليرة سورية.

 أما أبو أحمد، أحد النازحين من محافظة حمص فأوضح قائلاً: أقطن وأسرتي المؤلفة من خمسة أشخاص في شقة مؤلفة من غرفة وصالون لا تتجاوز مساحتها 35 متراً بأجرة شهرية تبلغ 20 ألف ليرة رغم صغر مساحتها التي لا تقارن بصالون منزلنا في حمص…؟!

ويضيف: يحاول صاحبها بشكل مستمر رفع أجرتها والتهديد بإخراجنا منها في حال عدم رفع الأجرة، واضطررت لدفع مبالغ أخرى طُلبت مني، رغم أنه لا يمضي على مكوثنا فيها عدة شهور..؟! وهنا يقول أحد الموظفين من المحافظة نفسها: صدمت عندما طلب مني صاحب المنزل الذي أستأجره رفع الإيجار حتى يتم تجديد العقد، لكني وافقت بعد مشاهدتي لإيجارات المنازل الخيالية رغم مواصفاتها المتدنية، مشيراً إلى جشع أصحاب الشقق واستغلالهم لحاجة النازحين الذين يأتون من كل حدب وصوب باحثين عن شقق تؤيهم من التشرد بغض النظر عن أجرتها المرتفعة، الأمر الذي يجعل من المنازل تجارة رائجة تدر أرباحاً خيالية لأصحاب النفوس الضعيفة، إلا أنها تكون على حساب شقاء المحتاجين الذين يضطرون إلى تقليص نفقاتهم الأساسية والاستغناء عن الكثير من ضروريات الحياة التي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً لا يمكن إزاحته بسهولة. خلال متابعة هذه المادة رأى  بعض المختصين في المجالين المعماري والاقتصادي بالعقارات بأنه لابد من وجود حلول يمكن أن تخفف من عبء ارتفاع تكاليف الأجرة على النازحين، كأن تقوم الجهات المعنية بإعادة إعمار المناطق والأحياء المدمرة جزئياً، خاصة إذا لم تصلها اليد الطولى من الدمار، وإعادة الأمن والاستقرار إليها، ثم ضمان عودة أهاليها كما هو الحال في مناطق حمص والقلمون، أيضاً يمكن إسكان عائلات في مجمعات خدمية ضخمة أو مساكن مسبقة الصنع تُشيد خلال فترة وجيزة تضمن للعائلات سكناً مريحاً وتؤمن الحد الأدنى من الخدمات دون أن تدفع العائلات أية مبالغ. وبهذا الإجراء يقل الطلب على الشقق وتنخفض الأجرة انخفاضاً كبيراً. ولابد من الإشارة إلى الدور السلبي لأصحاب العقارات والمنازل طوال فترة الأزمة الحالية، ذلك أن عدداً كبيراً منهم لا يلقي باله إلى حجم ممارساته السلبية في رفع أسعار الأجرة، ولا يعتبر مسألة إيواء النازحين قضية وطنية تتطلب التعاون الإيجابي وتخفيف العبء الكبير عن الجهات الحكومية، بل على العكس يزيد الأمور تعقيداً ويفتح الباب على مصراعيه أمام الابتزازات التي لا تجد حداً تقف عنده..؟ ما يزيد من معاناة أبناء وطنه في ضوء غياب الرادع الأخلاقي والقانوني ضارباً عرض الحائط بكل الأخلاقيات والقوانين التي تدعو للرأفة بالآخرين.

ويبقى موضوع العقارات وأسعارها محطّ جدل وتساؤلات تختلف طبيعتها ومضمونها بين عام وآخر، متمنين ألا يبقى المواطن السوري عالقاً قبل الأزمة وبعدها في بحثه عن سكن دون أن يجد.

العدد 1107 - 22/5/2024