كي لا ننسى…الرفيق محمود الأطرش (1903-1981)

كالكثيرين ممن شغلتهم قضايا الإنسان الحقيقية، وناضلوا بصدق، ورحلوا.. كهؤلاء رحل في صمت الرفيق محمود الأطرش، الشيوعي البارز المناضل الصلب في صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني، والحزب الشيوعي السوري- اللبناني، والحزب الشيوعي المصري والجزائري، فمن هو محمود الأطرش؟

إنسان بسيط ولد في القدس عام 1903 من أبوين جزائريين، الأب من (بوسعادة) الذي بعد حجّه استقر في مكة، والأم من أصل قبائلي (تيزي زوز- الأصنام)، وقد عاش مع عائلته المنفية بعد قمع الثورة التي قادها المقراني.

درس في المدارس الدينية، حيث تعمقت معارفه في علوم القرآن وما يتصل بها من دراسات، ثم انتقل إلى المدرسة الشعبية.

ومحمود الأطرش يتيم منذ حداثة سنه، بدأ ممارسة العمل في سن الرابعة عشرة، وبالرغم من تعلمه وثقافته الواسعة، مارس عدة أشغال يدوية معايشاً قضية العمال، العمال الزراعيين والبنائين وغيرهم.

وقد أثرت ثورة أكتوبر الاشتراكية (1917) تأثيراً شديداً وعميقاً على الشاب محمود، إذ كان من الأعضاء النشيطين والديناميين في الخلايا التي أنجبت أوائل المنظمات العمالية الشيوعية العربية، هكذا بدأ حياة نضالية طويلة، رابطاً فيها النضال ضد الاستغلال الطبقي، مع المعركة والكفاح ضد الاحتلال البريطاني وضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية. كانت حياة مليئة بالعمل والنضالات، نال فيها احترام كل الرفاق العرب وتقديرهم، وكانوا ينادونه (محمود المغربي) نسبة إلى المغرب العربي كله لا إلى الجزائر وحدها.

في نهاية العشرينيات رحل إلى أوربا لمتابعة تكوينه، حيث اكتسب تجربة واسعة في النضالات النقابية والثورية، ثم انتقل بعدها إلى موسكو للدراسة في جامعة كادحي شعوب الشرق التابعة للكومنترن. وفي المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني انتخب في الأمانة المتكونة من ثلاثة أعضاء وفي المكتب السياسي، وفي سنة 1931 أوقف مع رفاق له ومناضلين آخرين من قبل الاحتلال البريطاني.

في نهاية الثلاثينيات عاد إلى الجزائر حيث أصبح رئيس تحرير الجريدة الناطقة باسم الحزب الشيوعي الجزائري والمكتوبة بالعربية (الجزائر الجديدة)، وقد نال احترام كل رفاقه بسبب ثقافته العربية الإسلامية العميقة، ووضوحه في فهم الصراع الطبقي على المستويين الوطني والعالمي، وكذلك بسبب مجهوداته من أجل تعريب الحزب، وارتباط نضالاته مع كفاح الشعوب العربية والإسلامية ضد الإمبريالية ومن أجل التقدم الاجتماعي والاشتراكية.

منذ بدايات الثورة الجزائرية المسلحة انخرط  محمود الأطرش في النضال المسلح في إطار جبهة التحرير الوطني، مع الأمانة لتوجهات حزبه ، حزب الطبقة العمالية.. وقراراته، وقد أوقف ولم يفرج عنه إلا غداة الاستقلال.

توفي محمود الأطرش عام ،1981 وسيبقى إلى الأبد ذكرى حية للرجل الثوري العربي الشيوعي الصادق والأصيل، والذي بالنسبة له الوطنية الحقة لا تجد معناها وأصالتها إلا في المثال الأعلى للاشتراكية، رجل ثورة يربط بشدة وصلابة الوطنية مع المعنى العميق لمهام التضامن الأممي.. وبكلمة وجيزة ومعبرة نقول إن محمود الأطرش عاش ومات شيوعياً أصيلاً

العدد 1105 - 01/5/2024