المنهج منطلق من الواقع وضمان للمستقبل

إن التقدم والتطور مفهوم يتعلق بشكل وثيق بتتابع الخطى وترادف الغايات، فخطوة منه في الواقع ولاحقتها نحو المستقبل، وفق ما يسمى بالخطة أو المنهج الذي يسعى أن يضمن المستقبل القريب نسبياً، والذي تأتي منه الانطلاقة فيما بعد، فيصبح واقعاً معيشاً لمستقبل مضمون أيضاً، يخدم الغاية الواضحة والحاجة والضرورة، المتجددتين. ولما لذلك الأمر من أهمية وخطورة، يجب دائماً توخي الدّقة في تحقيق النفع، ونشدان الأفضل بشكل دائم، فالإعداد والتحضير، والهدف والتأسيس، أعمدة وبنيان كل تطور وتقدم فكري بالدرجة الأولى، وهذا ما يخدم جميع عوامل النهوض وأشكاله.

ولما كانت الشعوب تنطلق وتتعلم من تجاربها، وتستفيد مما دفعت من أثمان باهظة لقاء اكتسابها وعياً جديداً ونظرة أكثر وضوحاً نحو المستقبل بعد تعرية الواقع لكل ما هو خاطئ ومريض في واقع المجتمع ككل، جاءت لجنة التطوير وإعداد المناهج في الجمهورية العربية السورية، لتخرج لنا بمنهج ذي أفق ضيق يمثل قفزة في مجهول، ويدل على غفلة وشرود معدّيه عن الواقع الصعب بكل حيثياته الذي يعيشه الفرد السوري، وجهل تام بنوع الفكر وشكل الوعي والثقافة التي يحتاجها الجيل الجديد في سورية الجديدة المتغيرة بعد كل هذا البذل والتضحية، في أزمة تسببت بها الأزمة المعرفية والخلل في الوعي أولاً، والأيادي الخارجية والقوى الاستعمارية ثانياً.

إذاً نحن لسنا بحاجة إلى صقل وعي أطفالنا وطلابنا الصغار بموسيقا الرّاب، ولا بحاجة إلى تفريع أخيلتهم وتسطيح ذهنياتهم بطشطشة مياه في بركة، أو تلقينهم قصصاً مختلقة ومغالطات تاريخية ما أنزل الله بها من سلطان، فدماغ الطفل سيقبل كل فكرة مهما كانت خاطئة، ومع مرور الزمن ستصبح هويته التي يصعب انتزاعها منه كما يصعب ويستحيل انتزاع هويتنا وانتمائنا منّا. إن معدة الإنسان تتقيأ الفساد والعفن، أما الدماغ فلن يتقيأ التفاهة إلاّ بنمط وسلوك أشد تفاهة، ولا أحد منّا يحفل لرؤية هذا القيء كل يوم. واقع سورية وماضيها وطموح شعبها لا يُختصر كخريطتها بقرار من معدّ مناهج، ولا يتنازل عن إرثه ومعارفه كي يعود بنا هذا المنهج ملايين الخطوات نحو الخلف.

وباختصار شديد، انتفت المسؤولية عند واضعي هذا المنهاج، ومسؤولية ناقصة اعترت من اطلع على مضمونه، فهذا لا يصح لأبناء سورية الحضارة والتاريخ، سورية الأبجدية والفن، سورية المغدورة والجريحة.

العدد 1105 - 01/5/2024