حرب النفط إلى أين؟!

التطور غير المسبوق لعلم الحواسب وعلم الاتصالات، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أتاح للنظام الإمبريالي العالمي أن يقوم بخطوات هامة باتجاه عولمة الاقتصاد العالمي وهي:

1ـ عولمة النظام المصرفي العالمي.

2ـ عولمة نظام الاستثمار العالمي.

3ـ عولمة نظام الإنتاج العالمي.

فقد تحول النظام المصرفي العالمي إلى شبكة هائلة من العُقَد المصرفية تغطي العالم الغربي وأسواقه والدول التابعة له، وتحولت الرساميل إلى مجرد أرقام في الحسابات المصرفية يمكن لأصحابها سحبها أو نقلها أو تحويلها بسهولة ويسر عبر هذه الشبكة من مختلف أنحاء العالم وإليها، وسمح ذلك للشركات العملاقة بتجاوز حدود دولها وبناء إمبراطوريتها الحالية.

مهّدت الخطوة الأولى للخطوة الثانية، إذ إن سهولة الاتصالات وسهولة نقل الرساميل وتحويلها سمح للبورصات بجلب ملايين المستثمرين في العالم، وبذلك وظفت رساميل خيالية في أسواق البورصة العالمية إضافةً إلى النزعة الطبيعية للرأسمالية في الاتجاه نحو الاستثمارات المالية، ما سمح بتغوّل الاستثمارات المالية على حساب الاستثمارات الإنتاجية، كما توقع لينين تماماً في كتابه (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية)، وساهم ذلك في ازدياد الهوة بين الدورة الإنتاجية (نقد، بضاعة، نقد) وعملية الاستثمار، وانفصلت تماماً القيمة الحقيقية للمنتج عن قيمة أسهم الشركة المنتجة له في أسواق البورصة، ما سمح بتزايد المضاربات المالية التي أدت لاحقاً إلى ما عرف بأزمة الرهن العقاري الأمريكي، التي سرعان ما عمّت العالم الإمبريالي الغربي كله، والتي لم يستطع حتى الآن اقتصاديو العالم الغربي إيجاد حلول ناجعة لها غير تصديرها إلى أطراف النظام، كما يحدث في اليونان والبرتغال واسبانيا وإيطاليا.

أما الخطوة الثالثة التي تجلت بتجزئة مراحل الإنتاج بين شركات متعددة منتشرة في العالم، ثم تجميع المنتج في مكان واحد تمهيداً لتسويقه، وتجلت أول ما تجلت في مجال تصنيع الحواسب ثم انتقلت إلى وسائل إنتاج مختلفة، وكان الهدف منها تقليل التكلفة والهيمنة المحكمة على العملية الإنتاجية، فقد أدت هذه الخطوة الثالثة إلى تغوّل الشركات العملاقة وازدياد نفوذها السياسي في الدول الغربية ما أدى إلى فساد سياسي ومالي، وظهور سياسيين ليسوا بالكفاءة المطلوبة كبيرل سكوني في إيطاليا وساركوزي في فرنسا وبوش الإبن في الولايات المتحدة، وجرى كل ذلك في فترة غياب الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة قطباً أوحد في العالم.

وكان على النظام الإمبريالي العالمي أن ينتهز هذه الفرصة لينجز خطوته الأهم وهي عولمة إنتاج الطاقة وطرق إمدادها، لكن الوقت لم يسعفه إذ عادت روسيا مرةً أخرى كقوة تريد استعادة مكانة الاتحاد السوفييتي السابق، وبرزت الصين قوة اقتصادية هائلة لها مصالحها وطموحاتها، كما برزت قوى أخرى أخذت تصعد تدريجياً كإيران والهند وبعض دول أمريكا اللاتينية، والأنكى من ذلك ! أنها أخذت تتعاون معاً للوقوف في وجه الغول الغربي الذي يريد أن يبتلع كل شيء، فالعولمة بالنسبة لدول الغرب الاستعمارية هي الهيمنة على العالم وفق مصلحتها دون اعتبار حق الدول الأخرى وشعوبها في الحياة والتطور! لذلك كان الصدام حتمياً.

تجلت محاولة الإمبريالية الأمريكية في السيطرة على منابع النفط وطرق إمداده أول ما تجلت في الحرب على أفغانستان، فالسيطرة على أفغانستان القريبة من منابع النفط في أواسط آسيا يشكل نقطة ارتكاز وتهديد لأكبر احتياطي نفط وغاز في العالم هما في إيران وروسيا، ثم تجلت في الحرب على العراق ومحاولة تقسيمه للسيطرة على غاز السليمانية في الشمال، ثم الحرب على سورية لتأمين طريق نقل الغاز والنفط من الجزيرة العربية إلى المتوسط ثم إلى أوربا، وقطع الطريق أمام إيران في الوقت نفسه، ثم الحرب على أوكرانيا لقطع الطريق أمام الغاز الروسي في الوصول إلى أوربا.

وقد تجلت أطماع شركات النفط العلاقة في مشروع خط (نابوكو) لنقل النفط والغاز، الذي كان من المفترض أن يمتد من أواسط آسيا عبر تركمانستان إلى شمال العراق، ثم عبر تركيا وصولاً إلى أوربا، لكن فشل الحرب على أفغانستان ثم على العراق ثم على سورية، وحنكة الروس في إدارة حرب النفط جعلت إنشاء خط نابوكو غير مجدٍ.

هكذا فشل القسم الأول من المشروع الأمريكي، أي السيطرة على منابع النفط في آسيا، وبقيت محاولة السيطرة على طرق إمداده، ويجب أن نلاحظ هنا أن تكلفة نقل الغاز والنفط عبر الناقلات البحرية أعلى بكثير من نقله عبر أنابيب، فتكلفة الأنابيب تدفع مرة واحدة بينما تكلفة النقل عبر البحر تدفع كل مرة ! من هنا جاءت أهمية موقع سورية، فهي المعبر المناسب للغاز والنفط من الجزيرة عبر فتحة حمص إلى البحر، خاصة بعد فشل خط نابوكو، لذلك كانت السيطرة على سورية ضرورية للمخطط الإمبريالي الأمريكي من جهة ولحصار إيران من جهة أخرى، وهي منافس قوي يجب منعه.

وهنا قد يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ألا يمكن لإسرائيل أن تكون بديلاً مناسباً لسورية؟ والجواب فيما أرى يكمن في أن فلسطين لا تعتبر منطقة مستقرة مناسبة للاستثمار من جهة، وقد تكون المنافسة بين الاحتكارات النفطية العالمية هي السبب، فالشركات المسيطرة على النفط والغاز في الجزيرة العربية لا تريد أن تكون تحت رحمة دولة إسرائيل ذات الوزن الدولي والصلات الخفية مع شركات عملاقة منافسة.

وهكذا فشل المخطط الأمريكي في الهيمنة على تجارة النفط في العالم خاصةً بعد الفشل الذريع في سورية، وعلى أميركا وحلفائها الآن البحث عن طريق المفاوضات عن حصة لها في نفط العالم مثلها مثل باقي الأقطاب الصاعدة، وستنتهي قريباً هيمنة القطب الأوحد الأمريكي وسيبدأ عالم جديد متعدد الأقطاب، وكل ما نراه من تصعيد في سورية واليمن هو لتحسين شروط التفاوض لا أكثر.

العدد 1104 - 24/4/2024