مؤتمر الرياض للمعارضة السورية… لا للحلول السياسية

 من السذاجة القول إن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية سيكون بارقة أمل أو بداية طريق لحل جدي للأزمة السورية، بكل ما تتضمنه من تعقيداتها عسكرية وسياسية واقتصادية. سيرورة الوقائع السورية تشير بوضوح إلى أن المملكة السعودية كانت وما زالت طرفاً أصيلاً في الأزمة السورية، وأن كل المؤشرات الحالية الصادرة عن الإدارة الأمريكية توحي بأنه لا يوجد في الأفق حل سياسي جدي يأخذ بالحسبان المصلحة الوطنية السورية، وأن تحالف المصالح التوسعية الأمريكية والوهابية السعودية، المتعلق بمشروع تقسيم الشرق الأوسط وفق المعيار الطائفي، سائر في طريقه وفق الوضع الحالي.

إن المصلحة الوطنية السورية بمنطقها الذاتي لن يوجدها مؤتمر الرياض، بل من يوجدها هو تبلور رؤية وطنية مسؤولة جامعة، جوهرها رفع صوت الكتلة الثالثة من المجتمع السوري، التي ترفض نهج الصراع للطرفين المتصارعين. هذا لن يتحقق إلا بمسار سياسي جدي يهدف إلى تغيير طريقة النظام وليس إسقاطه، عبر محاربة الفساد وتفشّي مفهوم (العصابة) الناتجة عن الحرب، وصولاً إلى عملية تفاعلية وطنية بين النظام السياسي الحالي والقوى الوطنية الفعلية، لإدارة الصراع السوري-السوري وإنهائه بعقول وأيدٍ سورية.

وبعيداً عن الثابت العام للمواقف المتعارضة للمحورين المتصارعين في الحرب السورية، هناك ثمة محطات ومنعطفات للمواجهة ينتقل مركز الفعل فيها من المستوى العسكري إلى الإعلامي والدبلوماسي، وتجد لها ساحة مناسبة تُستعاد من خلالها الحرب الدولية الكبرى على سورية الديمومة والاستمرار من جديد. على هذا الأساس يشكل مؤتمر الرياض تطوراً (سلبياً) مهماً في مواجهة الانزياح الميداني الذي حصل في الشهرين الماضيين لصالح الجيش السوري في كل من ريف حلب الجنوبي ودرعا.

إن تخوّف الرياض من استمرار هذا الانزياح مع الزخم الكبير للعملية الجوية الروسية والتصميم الكبير للإدارة الروسية في محاربة الإرهاب، من أنه قد يُحدِث تحولات جيوسياسية تقود في النهاية إلى انعطاف في استراتيجيات الدول المشاركة في حروب الوكالة ضد الدولة السورية. أولى هذه التحولات ولو أنها في بدايتها هو الرأي العام الأوربي وإمكانية ضغطه على الحكومات الغربية المنضوية كلياً تحت العباءة الأمريكية في ما يتعلق بالموضوع السوري. يمكن لهذا الرأي أن يدفع الحكومات الأوربية إلى تغيير مواقفها المتشنجة تجاه النظام السوري، و إلى التشابك مع الرؤية الروسية في حل الأزمة السورية، ابتداءً وقبل كل شيء من محاربة الإرهاب. معنى ذلك أن أساس الفعل العسكري ومن ثم السياسي الدولي سيتجه نحو محاربة الأدوات الفعلية لهذا الإرهاب الذي هو أحد صانعيه المملكة السعودية. من هنا يأتي مؤتمر الرياض لسد تخوف في المملكة في وقت بدا أن هناك فعلياً مخاطر من تحجيم هذه الأدوات أو الميليشيات الإرهابية ومحاصرتها بالعملية العسكرية للجيش السوري وحلفائه.

على هذا الأساس جاء اختيار أعضاء المؤتمر بعناية، معظمهم من الائتلاف السوري المعارض المعروف بتشدده، وأسماء لقادة ميليشيات مسلحة لا تؤمن ضمنياً بالحل السياسي، ويحاربهم الجيش السوري وحلفاؤه كما يقصف مواقعهم الطيرانُ الروسي، وهو ما يوحي ضمناً أن هناك إصراراً واضحاً للمملكة على تعطيل أي حل سلمي يمكن أن يتبلور في المدى المتوسط، والإبقاء على سياق الصراع عند مستوى الخطر جداً، ولا مانع أن يتجاوز عتبة الأزمة غير المعلنة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي عبر تركيا وقضية إسقاط الطائرة.

إن تهافت المعارضات السورية المعروفة بتشنجها السياسي والمعروفة بطائفيتها، وحضور قادة ميدانيين حاربوا الجيش السوري، وأطلقوا الهاون على الأحياء المدنية، وذبح بعضٌ من عناصرهم مواطنين سوريين، على الهوية، يعني بوضوح أن الرياض تسعى بكل ثقلها للانقلاب على مؤتمر فيينا. ونحن نشك بدرجة كبيرة أن المملكة يمكن أن تقوم بهذا الفعل دون موافقة الإدارة الأمريكية، ويتحول الشكّ إلى يقين عندما ندرك أن أحد أهم الأهداف المُستجدة في الصراع على سورية، بالنسبة للإدارة الأمريكية، هو استنزاف روسيا. وعلى هذا الأساس يبدو أن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية سيكون إعلاناً سياسياً للإبقاء على حالة الصراع في سورية. ويكتمل المشهد تماماً إذا ما ربطناه مع دعم حلف شمال الأطلسي لتركيا في أزمتها مع روسيا، وإعلان الجيش الأمريكي وجود عناصر محدودة العدد له في الشمال السوري، كإشارة رمزية لاستمرار الصراع على سورية. بمعنى أن العسكرة ما زالت تغلب الحل السياسي، وهنا لا يسعنا إلا العودة إلى فرضية أن الميدان هو الفيصل في ما سوف تنجزه السياسة.

العدد 1105 - 01/5/2024