المستقبل مرتبط بإرث أمثالك

جوزيف أبيض.. مناضل آخر يرحل.. شيوعي قديم لم تحطمه السجون وعذاباتها، ولا الأمراض المضنية التي تراكمت على جسده المكدود عبر سنوات.

ولد جوزيف أبيض في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، من أسرة شعبية في حي باب توما، وانغمس منذ نعومة أظفاره في النضال الوطني والاجتماعي، ووجد نفسه عضواً في الحزب الشيوعي السوري، فوهبه كل طاقاته عبر مسيرته الكفاحية الطويلة.

في بداية عام 1959 وبعد الحملة الظالمة التي شنّت على الحزب الشيوعي السوري، كلّف الرفيق جوزيف أبيض مع آخرين غيره، بإعادة بناء منظمة دمشق التي كانت قد أصيبت بضربات متلاحقة كبيرة من أجهزة القمع آنذاك.. كان عضواً في اللجنة المنطقية السرية التي استطاعت خلال فترة وجيزة أن ترتب أوضاع المنطقة، إلا أن أيدي الأجهزة الأمنية استطاعت أن تقع على أثره. وفي نيسان عام 1959 اعتقلت اللجنة المنطقية بكاملها، وجرى تعذيب الرفيق جوزيف أبيض بصورة وحشية، إلا أنه بقي ثابتاً باعتزاز، ولم يستطع التعذيب أو العزل الإفرادي، أو الحرب النفسية تحطيم معنوياته وتفاؤله بالمستقبل، وإيمانه بقضيته العادلة.

ثلاث سنوات أمضاها جوزيف أبيض في سجن المزة مثالاً للصلابة التي لا تلين، تحدثت عنه الصحافة الشيوعية آنذاك، وكان من بين السبعين شيوعياً الذين خرجوا بعد الانفصال رافعي الرأس، دون أن تهتز ثقتهم بعدالة قضية الحزب الشيوعي، ومثله الوطنية والاجتماعية العليا.

انخرط الرفيق جوزيف أبيض فور خروجه من السجن في النضال ضمن صفوف منظمة دمشق، وأصبح عضواً في لجنتها المنطقية، وعمل دون كلل من أجل إعادة بنائها وتأهيلها كي تصبح مستعدة لتلبية المهام التي وضعها الحزب وتمليها المرحلة.

يوم الثلاثاء الواقع في الثاني عشر من شهر أيار عام2015 يرحل جوزيف أبيض..

سيبقى الكثير من شيوعيي دمشق الذين عرفوه وسمعوا به يتذكرونه طويلاً..

إن روحه المرحة وتواضعه وبعده عن التصنع أو التباهي، قد أكسباه حباً واحتراماً عميقين من كل من عمل وناضل معه.. ستمر سنوات كثيرة وستتقادم أشياء كثيرة، وستولد أشياء جديدة وجديدة، إلا أن ذكرى من أعطى هذه الأرض السورية الطيبة كل ما يملك، دمه وطاقاته، ستبقى حية.. فالمستقبل الذي سيولد لن يكون إلا مستقبلاً مرتبطاً بإرث هؤلاء الذين لم يبخلوا بأي شيء من أجل الوطن والشعب.

العدد 1105 - 01/5/2024