بعد22 عاماً على توقيع اتفاقية حقوق الطفل.. في اليوم العالمي للطفل.. هوّة بين الواقع والقوانين

 

يعود وضع المفاهيم الخاصة بحقوق الطفل في العالم إلى (إعلان جنيف) عام 1924 وقد تبنّت عصبة الأمم آنذاك النص المؤلف من خمس نقاط، الذي وضعه (الاتحاد الدولي لصندوق إنقاذ الأطفال)، وهي بنود مدنية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية.. وطُوّرت تلك النصوص في السنوات اللاحقة لتصبح نواة لإعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1959 وقد صادقت الحكومة السورية على اتفاقية حقوق الطفل بصدور القانون رقم 8 بتاريخ 13 كانون الأول 1993 كما صادقت على البروتوكولين الاختياريين الملحقين بالاتفاقية في عام 2003 وتلتزم سورية بموجب ذلك بالأحكام الواردة فيهما:

(تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية، والاجتماعية، والتعليمية، الملائمة لحماية الطفل من جميع أشكال العنف والضرر والإساءة البدنية أو النفسية أو الأعمال المنطوية على إهمال وإساءة المعاملة، وبضمن ذلك الإساءة الجنسية).

تواجه الأكثرية الساحقة من أطفالنا في الأعوام الأربعة الأخيرة صعوبات وتحديات كبيرة هي في الأساس انعكاس لما يواجهه شعبنا في ظل النزاعات المسلحة التي تعيشها البلاد، وهي صعوبات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تؤثر سلباً على واقع الطفولة، يضاف إلى ذلك تقلص الدور الحكومي في دعم الخدمات الأساسية الموجهة للأم والطفل. فهناك شبه غياب لسياسة وطنية متكاملة تؤطر جهود المؤسسات الحكومية في التعاون مع المؤسسات الأهلية والإنسانية الموجودة على الساحة السورية: الهلال الأحمر السوري، واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرهما من الهيئات المعنية.

وما نلاحظه هذا العام ومنذ أعوام طويلة أن التقارير والإحصاءات المقدمة، سواء الرسمية منها أو الصادرة عن المنظمات الإنسانية المختصة بالطفولة، تهوّن وتُسكّن الواقع المؤلم الذي تتعرض له الطفولة في سورية.

 

واقع الطفولة

في الأعوام الأربعة الأخيرة

ألوف من الأطفال قضوا في الحرب الدائرة بصورة مفجعة وأليمة، نتيجة القصف للأحياء السكنية أو اختنقوا بغاز الكلور والمواد الكيماوية الأخرى. ألوف المعوقين الذين بقوا على قيد الحياة وهم يحملون عاهات قد تلازمهم طيلة حياتهم.. الألوف من الأطفال تعرضوا وعائلاتهم لأكبر عمليات نزوح وتشرد في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.. وفي أماكن النزوح المختلفة، المخيمات في البلدان المجاورة: (الأردن ولبنان وتركيا وغيرها)، يعاني الأطفال السوريون الكثير من البؤس والقهر والإحباط، فقد انفصلوا عن مجتمعاتهم، مدنهم وبلدانهم وقراهم وبيوتهم التي عاشوا فيها ومدارسهم، حيث تلقوا التعليم، وظاهرة الزواج المبكر للطفلات ومآسيها أكثر من أن تحصى نتيجة الظروف القاهرة التي يعيشونها، كالزواج المبكر الذي يؤدي إلى أمومة مبكرة، إذ يولد سنوياً مئات الأطفال من أمهات هن أنفسهن طفلات وفي ظروف استثنائية قاهرة.

وأخطر ما واجه شبابنا وأطفالنا هو اضطرارهم للسفر براً وبحراً خارج البلاد وبوسائل غير آمنة إلى عالم مجهول، مما أودى بحياة الكثيرين منهم غرقاً في قاع البحار أو إلى عالم البراري الشاسعة التي لا يعرفون عنها شيئاً.. وبقي مئات الألوف من الأطفال في سورية حيث يتوجب توفير الحماية والعناية الأفضل لهم، وخصوصاً الأطفال الذين يعملون في ظروف صعبة جداً، وكذلك الأطفال النازحون وعائلاتهم في داخل البلاد من محافظة إلى أخرى، والأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات المسلحة وحتى التي تسيطر عليها العصابات الإرهابية التكفيرية المسلحة.. فالنزاعات المسلحة تؤثر كثيراً على الأطفال، لأنهم جزء من السكان المدنيين، وغالباً ما يكون الأطفال مغلوبين على أمرهم وشهوداً مباشرين على الأعمال الوحشية التي ترتكب بحق عائلاتهم وأسرهم.. ولما كان الأطفال جزءاً من السكان المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في العمليات العدائية يجب حماية حقهم في الحياة وتأمين سلامتهم الجسدية والعقلية.

 

أثر ومناخ اتفاقية

حقوق الطفل

إن مشاعر الخيبة تنتابنا من عدم التزامنا جميعاً بكل الوعود المطلوبة التي قطعناها على أنفسنا منذ أن وقّعنا الاتفاقية الدولية لحقوق  الطفل قبل 22 عاماً (1993-2015)، ومنها ضمان حق كل طفل في العيش بسلام وصحة وكرامة.

وتشكل اتفاقية حقوق الطفل القائمة الأشمل التي يؤمن المجتمع الدولي بأنها تمثل الحقوق الأساسية للطفل تمثيلاً واضحاً وجازماً، وأنها ليست متعارضة مع حقوق الكبار، إنما هي جزء أساسي مكمل لإعلان حقوق الإنسان.. ولكن بقيت هناك فجوة بين الواقع والقوانين، وبقيت حقوق الطفل دون مضمون أو تنفيذ على أرض الواقع في غياب الالتزام بما اتفق عليه دولياً. فقد وضعت أكثر من خطة وطنية ولكنها لم تكن واقعية وغير محددة بمراحل زمنية.

إن حقوق الإنسان كل متكامل، ولا يمكن فصل حقوق الطفل عن الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية لأي مجتمع، وأية حكومة أو سلطة تفشل في الوفاء بالتزاماتها نحو الأطفال يعني أنها فشلت في الاختبار الجوهري لعملها.

وحتى قبل الحرب في سورية كان الأطفال يتعرضون للاستغلال الفاحش في العمل وإساءة المعاملة، وأطفال الشوارع خير مثال على ذلك، إضافة إلى الأمية المنتشرة والتشرد والتحرش الجنسي.. إلخ.

وعلى الرغم من جميع التشريعات والاتفاقيات الدولية التي تنظم عمل الأطفال، فالمشاهد اليومية تدل على ازدياد انتشار هذه الظاهرة المقلقة ذات الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية..

فما زال الكثير من الأمور مثار جدل بين نظرتنا إليها وبين رؤية الاستراتيجيات المحددة دولياً وكيفية معالجتها، فبقيت إنجازاتنا متواضعة في حدود الصحة والتعليم والرعاية، وسقط كل كلام أو حتى اعتراف بمشكلات أساسية منها ما يتعلق بعمالة الأطفال والأمية وسوء التغذية وإساءة المعاملة والعنف الممارس على الأطفال والاعتداء الجنسي، وللطفلات الزواج المبكر، وجرائم الشرف، والتمييز، وحرمان كل الأطفال المولودين من أم سورية وأب غير سوريي من الجنسية، الأمر الذي لا علاقة له بالدين، إنما بالمواطنة التي لا يمكن أن تؤسس على خلفية دينية.

إن الاهتمام بالطفولة المبكرة يأتي من أنها قضية تنمية بشرية تشكل تحدياً كبيراً، فمن الممكن أن نخسر جيلاً بأكمله إذا لم ندرك أهمية النمو والعناية بالطفل في السنوات الأولى.

في نهاية القرن التاسع عشر ظهرت نظرية التحليل النفسي لفرويد، وهو من الشخصيات المتميزة في تاريخ علم النفس، إذ إن أكثر جوانب نظريته اجتذاباً هي تلك المتعلقة بأهمية الطفولة في مسار الشخصية الإنسانية، وخصوصاً العلاقة الأساسية الأولى القائمة فيما بين الأم والطفل في تكوين شخصية البالغ.

ومن مقومات هذه النظرية الأساسية أن السنوات الأولى هي سنوات تكوينية، ولها أثر حاسم لا يتعدل فيما بعد إلا على نحو طفيف.

وأخيراً كيف نستطيع غرس مفهوم الحقوق الأساسية للطفل؟ الجواب ببساطة: تعليم جيد ووثيق العلاقة بواقع حياة الناس، فالتعليم حق إنساني أساسي وقد جرى الالتزام به في مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

عسى أن ننتقل من زمن التصريحات والوعود إلى وقت يصبح فيه الاستثمار في الإنسان هدفاً وقناعة ثابتة، وبنداً أساسياً في الأجندة السياسية لبلادنا.

تحية الحب لكم يا أطفال بلادنا في يومكم العالمي.

العدد 1104 - 24/4/2024