شروال جدّك يا جدّي

(1)

إذا ما حصل أن خصصت إحدى المؤسسات التراثية جائزة لجيل بأكمله – على غير عادة – يكون قد لبس وشاهد وبَطُلَتْ الثياب المرقعة (على حياة عينه). فسيكون جيلنا نحن أبناء ريف سورية، من مواليد خمسينيات القرن الماضي، هو الفائز بلا منازغ.

لقد كانت المرأة عندنا تضع الرقعة على الرقعة، حتى تغيب معالم – بل ملامح – الثوب الأصلي. كما كان حسن اختيار الرقعة والخيط المناسبين، وطريقة الخياطة، وبالتالي إدماج الرقعة في الأصل، إلى الحد الذي يصعب فيه تمييزها، كان ذلك من النقاط الركنية في ملاعب النساء، التي ترجح فوز واحدة على أخرى.

آنذاك، كان تجويد الترقيع، من ضمن الأمور التي تتباهى بها الريفية أمام زوجها، (وتشوف حالها) على قريناتها وجاراتها، والسلفات والكنات. خاصة إذا كانت الرقعة، من الطراز الذي يتغنّى به، طويل الشارب وخفيف الظل (طوني حنا):

شروال جدك يا جدي

مرقع لكن بهدّي

بعدو معلق من أيام

جدو لجدك يا جدي

(2)

جاء في المعجم الوسيط

رقع فلانُ الثوب أو الحذاء: أصلحه بالرقعة.

رقع فلانُ فلاناً كّفاً: ضربه.

ورقع فلان الحديث: زاد فيه وأصلح خلله.

ولئن غاب ترقيع الثياب والأحذية، في زمننا الأخرق هذا، أو اضمحل لدينا، وانحصر في أضيق نطاق. فما زال الترقيع في مجالات أخرى حيّاً يرزق، ضارباً أطنابه، يتناسل ويتناسخ وينتشر.

(3)

يختلف الترقيع، باختلاف نوعية الرقعة ومجالها، وبالأكثر باختلاف صاحبها. فكلما كان المُرقِّع ذا شخصية أكثر أهمية :

 يتسنم منصباً قيادياً في البلد…. يتقلد هيئة اعتبارية…. أو يتزعم جهة توجيهية أو تشغل صفة موصوفة في التخطيط والتنفيذ.  ازداد خطر رقعته، وتفاقم فشل ترقيعه!

وإذا ما أجلنا الفكر والنظر في ترقيع حكومات بلدنا في السنوات الأربع الماحقات الماضيات. علماً أن الترقيع لا يقتصر على حكوماتنا فحسب. وإنما يشمل سائر حكومات العالم (شقيقات، صديقات، وعدوات). فسنجد أن ترقيع كثير من الوزراء جاء بصيغة المضحك المبكي، ومن فصيلة : (جاء ليكحلها فأعماها) و(عذرٌ أقبح من ذنب) وما لفَّ لفّهما.

(4)

كرد استباقي على سؤال محتمل، بخصوص عدم ضربنا أمثلة، لبعض الترقيعات الفاقعة، لمسؤولين حكوميين من الدرجة الأولى. نفيد: أن ذلك لا يعود كله، لأن الموضوع هو من الكثرة والانتشار، بحيث بات معروفاً للقاصي والداني، وللصغير والكبير. ما يُعفينا من ضرب الأمثلة. وربما تصرُّف كهذا، من حقنا..

ولا من باب التحفظ، أو النأي بالنفس، أو الاحتفاظ بحق الرد، في الزمان والمكان والشكل المناسب. ولعل ذاك من حقنا أيضاً….

ولا درءاً لمغبة ما قد يجره ذلك من عقابيل. وأظن – وبعض الظن إثم – أن ذلك من حقنا أيضاً وأيضاً !

(5)

ترى…. إذا ما شبهنا وضع بلدنا، منذ بدء الأزمة الكارثية – وعلى مختلف الصعد- إلى اليوم، بالشروال المهترىء.. وشبهنا بعض المسؤولين لدينا بالمرقِّعين، فما عسى أن تكون عليه حال رُقعهم ؟!

العدد 1105 - 01/5/2024