من قاع الحرب إلى القمة

 بغضّ النظر عن سنوات الأزمة السبع، والتراجع والانهيار الذي عاشته سورية والشعب السوري بأكمله، سواءٌ في حركة النزوح الكبيرة التي شهدتها معظم الأراضي السورية، متأثرةً بتوازي مسيرتي الإخلاء والازدحام وتبعاتها من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وتوتر وقلق مصيري يهدد فئات الشعب كافة.

وبغضّ النظر عن صعوبة الاندماج المتجدد بين الحين والآخر تبعاً لتجدد الحرب، وامتدادها لوجستيا  ونفسياً، والنزاع الطائفي، والإرهاب، واللاجئين المستقطبين أغلب الحدود الدولية المحيطة، وحيث لا فائدة من استحضار المشاهد المؤذية للذاكرة، كانت صورة سورية قاتمة جداً خلال الأعوام الماضية.

غير أنه، في ظلّ الأوضاع المأساوية التي لا تشي بالخير أبداً، بات مُحتماً علينا تحفيز آمال أبعد ما تكون ن تطرف الإرهاب والدم، وذلك ليس دعماً عبثياً بهدف دفع المآسي والهروب من الواقع، بل هو ما توحي به الظروف الراهنة.

فالعالم الذي تقطنه الرفاهية كان قد استغرق سنوات عدة في الحرب (كاليابان، ألمانيا و.. الخ) ودُمِّرت بُناهم التحتية وعدّوا عشرات الآلاف من الضحايا، ثم ما لبثوا أن عادوا وواكبوا حركة التطور والإعمار.

ما أثبتته الحرب كان عصياً علينا نسيانه، أثبتت مواقف الشباب البالغ أكثر من 50% من الشعب السوري، فقد واكب المسيرة التطوعية وأعمال الإغاثة والمواجهة فكرياً ونفسياً، إضافة إلى الانقسام الطائفي الأشدُّ خطورة من الممارسات الإرهابية نفسها.

فتصور مستقبل سورية هو إحدى أهم النقاط التالية لحرب كهذه، لا بدّ أنها مرحلة مقبلة تستقطب الإصلاح على الأصعدة كافة، وتطور خدمي وتكنولوجي يناسب أو حتى يضاهي تطور الدول الكبرى، أساليب تعليمية ومناهج وعت خطورة الجهل على المجتمع وأفراده، مناطق سيطولها التخطيط والإعمار عالي المستوى، دولة ستتجاوز الانقسام الطبقي في مستويات المعيشة الذي أحدث فروقات كبيرة بين شرائح المجتمع، وحدود دولية استراتيجية تضم فئة واحدة، فئة الشعب السوري الموحد بنسيج اجتماعي يحترم التعددية.

فهواجس النزاع والحرب لن تقلق نقطة مركزية كالدولة السورية، بحرب لم تكن أشدُّ عنفاً من الحروب السابقة التي عاشتها سورية والدول العربية وحتى الدول العظمى.

والمفروغ منه أن كل سقوط يتبعه سيادة ورفعة تتناسب طرداً مع صلابة المواجهة وضيق المحنة، فهذا هو القانون الحقيقي للدورة البشرية والوجودية عبر التاريخ.

العدد 1105 - 01/5/2024