الإنسان العربي قنوع أم خنوع!!

حين أسمع كلمة (قناعة) يخطر ببالي كلمات مثل تدجين، توقف، جمود، ذلك أنني أشعر أن التنافس فطرة فُطِرَتْ عليها النفس البشرية، وأن الطموح من سمات الشخصيات العبقرية، وكلما كان هدف الإنسان في الحياة أكبر كانت خطواته أوسع، وكانت دروب معارفه وربما أيام عطائه أطول وأطول.

إن القناعة مشروعة ومحببة في حالة واحدة فقط، عندما لا يتقاطع قولنا عن الفرد إنه قنوع مع كونه خَانعاً، ففي المجتمعات التي تسيطر عليها قوة استعمارية أو تقبع تحت نير أنظمة استبدادية أو حكم سلطة دينية، القناعة هي خنوع واستسلام واستكانة لشكل من أشكال العبودية، أمّا في الدول التي تتمتع شعوبها بالحرية والكرامة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية بنسبة مقبولة، فواجب الفرد أن يقنع بما يُجزى عن جهده وأن يروّض نفسه كي لا تنجرف باتجاه حُب الأشياء الفارهة والجديدة، فيغدو بذلك كائناً استهلاكياً.

وإذا أردنا الحديث عن سورية فإن شعبنا شعب بسيط قنوع رَضيّ، وقد جسدت العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية هذه الحقيقة، ومنها مسلسل (مرايا) ومسرحيات محمد الماغوط (ضيعة تشرين) و(كاسك يا وطن). وبرغم أن سورية تمتلك مقومات وثروات تؤهلها لمنافسة الدول العظمى، صغيرة المساحة نسبياً ولا تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية والثروات كاليابان وسويسرا والسويد، إلاّ أن المشكلة تكمن في كون شعبنا معتاد على القبول بأي شيء، فالسواد الأعظم من شعبنا المسكين لم يعش أيام رفاه منذ فترة الاحتلال العثماني وحتى اليوم، وذلك خلافاً للكثير من الشعوب العربية التي نالت استقلالها بعد استقلال سورية لكنها تعيش الرغد والرفاه.. حتى ألمانيا التي تعرضت لأكبر عمليات التدمير ازدهرت وارتقت واستعادت دورها الحضاري بعد خروج الدبابات السوفيتية من برلين بما لا يزيد عن ثلاثين عاماً.

إن المشكلة في أيّ شعب خرج عن الدور الحضاري الريادي تكمن في أن طموحات جلّ أفراده وأحلامهم أضحت ذات طابع شخصي وليست ذات طابع جمعي، ولعلّ مرد ذلك نلمسه في مسلسل (مرايا 84) فقد انقرض كل ما فيه من أنماط لباس وتسريحات شعر وأمور شكلانية أخرى، إلاّ أن المشكلات التي يتناولها مازالت قائمة حتى الآن بسبب الفساد.. واليوم نرى أكثر من أي وقت مضى تنامي الطبقية في المجتمع السوري، وبالنسبة للأفراد ليس من الصعب تحقيق الطموحات ولكن الصعب هو تحقيقها بالطرق المشروعة، ففي هذه الأزمة صار لدينا الكثير من العفيشة والفاسدين الذين كانوا فقراء وحققوا طموحاتهم بالثراء والرفاه على حساب جراح الوطن وعلى حساب إخوتهم، ونحن ما أمهرنا بالاحتفال والرقص في الساحات مع العلم أن الطبقية قد تؤدي إلى كارثة اجتماعية مقبلة وحرب أهلية، وهذا من البديهيات في السوسيولوجي، ولا يغفل عنها كل من قرأ شيئاً من التاريخ البشري، نحن أمام خطر مقبل ما لم تُردم الهوة بين الطبقات الاجتماعية.

وأخيراً.. أنا عن نفسي القناعة الوحيدة التي أحظى بها هي قناعتي بأنني أستحق خيراً مما بين يدي، وأن عليّ الاجتهاد لتحصيل ما هو خير منه.

العدد 1107 - 22/5/2024