درب الحياة طويل لا يبلغ منتهاه كسول متواكل

اليوم، حين تضيق بنا السبل في تفسير أي شيء يعتصر أيامنا، نلجأ إلى مثلٍ معروف يكون شماعة الخطايا ومسوّغ أفعالنا، حتى صار كلام جدي وعمته قدوة نتعكّز عليها حين لجم الواقع مخططاتنا.. ومن ضمن أهم الأقوال التي باتت تشغل حيّزاً مهماً من تفاصيلنا جملة (مين رضي عاش).

كم تحمل هذه العبارة من تسليم وخضوع!

لا شكّ أن الرضا مطلوب مثلما القناعة كنز لا يفنى، لكن هذا لا يعني أن نقعد عن ركب الحياة وفي منتصف طريقها بحجّة الرضا

(إن خُلقنا على كوكب دائري وشمس دائريّة لا يعني هذا أن طريق الحياة عبارة عن دائرة مغلقة نعيد كرها وفرها بالاتجاه ذاته)- هذا ما قاله لي شاب عشريني يكافح بين رفوف كتب الهندسة، وأضاف: حين يوقظني طموحي في كل فجر ويشدني لأسعى لن تقبل سنين عمري بالهزيمة، كل حلم أدفع ثمن حمله جفوناً مُقرّحة تشتهي النوم وفكراً منهكاً بأحلام الغد.

هل إرادة الحياة والوصول عندي ستتحمّل قضبان الواقع؟

لا تصدقي حالماً رضي بفتاتٍ من أجل أن يعيش، إنها كذبة إما رضاه أو حُلمه.

فعلاً كلامه مقنع. وحتى إن تأملنا حياة أب صياد جاع أطفاله لأنه رضي بسمكة واحدة التقطتها صنارته فلا شباك عنده تجمع من الرزق ما هو وفير.

هل هذا رضا؟ ألا تستطيع تلك الصنارة تحصيل المزيد لكن بجهد مضاعف؟

فالمشكلة إذاً في الشخص ومدار فكره المحدود.

درب الحياة طويل لا يبلغ منتهى الغاية فيه كسول متواكل

وبين فكي الحرب صارت حجّة الرضا والتسليم بما هو موجود مبكىً نلوذ بجثث أمانينا، عنده تودعنا أطلال الحلم ويُضرمُ العجز ببستان الفؤاد ناراً تفقده شهية الحياة ورونق الوجود.

الحرب ليست حجّة، والواقع لا يعوّل على عثراته لتبرير الفشل، في كل زمان ومكان تواجه الساعي عقبات تسدُّ الطريق وتقطعه، لكن حين يمتلك مفتاح الحياة وإصرار الوصل لن تثنيه قوة في الأرض عن المحاولة والمحاولة لآخر رمق في حنجرته، وهنا إن لم يصل إلى ما أراد يكون الرضا مشروعاً لأنه استنفد أوراق عمره في المحاولة، ووصل إلى جزء ربما، ولم يحقق الكل، لكنه لم يقعد في أول دربه يصبو إلى النهاية ويندب الفشل وهو لم يتقدم بفكرة!

هنا كانت المشكلة وما زالت عند العديد من الأشخاص الذين فسروا الرضا على هواهم أو بمعانٍ خاطئة وصلت بطموحهم حدّ الموت، فالتسليم والخنوع للقوالب الضيّقة التي يضعنا فيها المجتمع تارةً أو الواقع والظرف تارةً أخرى لن ينقذنا منها الحلم، إنما العمل والسعي هما السلاح الوحيد لبث الحياة في عروقنا وكسر أغلال تأكل أعناقنا.

بالنهاية، لكل مجتهد نصيب، لن ينبت حقل من تلقاء ذاته، كل محصول وفير ذاقت الزنود حنظل تعبه، وحفر الجهد أخاديد مؤلمة في الأكف حتى تسامت غلاله. 

العدد 1105 - 01/5/2024