ومعلم حب أيضاً…

لا أدري بالضبط متى بدأ التعليم يصبح مشكلة عويصة بالنسبة للأهل وللطلاب ،  ولا نتحدث هنا عن الشهادة الثانوية فقط،  بل حتى التعليم الابتدائي صار موضوعاً دائماً للشكوى،  لدرجة أن بات الأهل مضطرين للاعتماد على الدروس الخصوصية ليعبر الطالب هذه المرحلة بسلام،  ولا أدري حتى الآن أين تكمن المشكلة،  قد نستطيع كأهل تفسير الأمر على هوانا،  فنتهم أولادنا – كما العادة – بأنهم جيل غير مسؤول،  وأننا كنا أكثر اجتهاداً وجدية منهم،  ونذكرهم بأن آباءنا ما كانوا يقدمون لنا ربع الاهتمام الذي نقدمه لهم،  بل بالكاد كانوا يعرفون في أي صف نحن! بينما ترى الأب والأم الآن مطلعين على أدق تفاصيل المنهاج،  بل يعرفون عنه أكثر مما يعرف أولادهم. وربما نضع اللوم على المنهاج غير الملائم لأساليب التدريس في مدارسنا،  وقد يصل تفكير بعضنا الى اعتبار الأمر كله مؤامرة مدروسة بعيدة المدى هدفها الترويج للمدارس الخاصة والمعاهد،  ومن ثم الجامعات الخاصة،  المهم أن هناك مشكلة فعلاً،  وهذه المشكلة لا يحلّها إلا معلم خصوصي،  تسبقه دورات صيفية،  وتليه جلسات امتحانية،  وفريق من الخبراء المختصين بأساليب التحفيظ والتلزيق،  وأشياء أخرى لا أدري ما هي،  ولم نكن نسمع عنها سوى في المسلسلات المصرية… أما إذا لاح شبح الامتحان،  فترى العلم الأحمر مرفوعاً فوق سطح الجيران،  فتعرف أن عندهم شهادة بكالوريا،  وهذا معناه (ممنوع الاقتراب) إذ يبدأ الأهل بفرض الحصار على ابنهم المنكوب بالدراسة ليلاً نهاراً فقط،  إياك في هذه الفترة أن تفكر بقرع باب بيتهم لأن مستقبل الولد قد يضيع وتكون أنت السبب من حيث لا تدري،  أما لو اصطحبت معك طفلك لزيارتهم،  فأنت (واحد مندس)  هدفك تدمير كل ما بناه الأهل خلال السنة،  وإضاعة آلاف الليرات التي دفعوها من دم قلبهم لأستاذ الرياضيات واللغة والفيزياء وغيرها،  وحين ينتهي الامتحان عليك أن تبقى بعيداً،  لأن الطالب سيكون عليه التحضير للدورة التكميلية،  وحتى بعد صدور النتائج من الأفضل أن تبقى بعيداً،  لأن الغموض المريب يلف نتيجة الطالب، فهو من الأسرار الخطيرة، ولن تعرف ما الذي حصل إلا بعد أن ترى أهل الطالب قد عادوا إلى استدانة النقود ولكن هذه المرة من أجل (التعليم المفتوح) أو (الموازي) أو (الجامعة الخاصة).

على كل حال،  هذا الكلام نعرفه جميعاً،  وما كان هناك من داعٍ لكل هذا اللت والعجن،  لولا تلك الأغنية التي تقفز في وجهي كلما فتحت الراديو،  وكلما أغلقته أيضاً،  فإذا خرجت إلى الشارع أسمع المطربة الصاعدة تصرخ: (بيي جبلي مدرس حب) وإذا ركبت السرفيس أسمعها تزيد الإلحاح على والدها بدعوى أن الامتحان اقترب (وبكره مواعدني الحلو)، وحين أنزل من السرفيس أجدها عند بائع البسطة تهدد والدها بأنها إذا رسبت في امتحان الحب سيكون هو المسؤول عن خيبتها! وكلام من هذا القبيل الذي يعتبر نقلة نوعية في الفن الغنائي الصاعد إلى الأسفل… وبعدها اسمعوا تعليقات الجمهور الذي (مرمر قلبو) من سيرة الدروس الخصوصية،  فذاك يقول: معلم الرياضيات ومعلمة اللغة خربوا بيوتنا… لم يعد ينقصنا إلا معلم حب أيضاً. وأخرى ترد: الحمد لله… ليس هناك أكثر من معلمي الحب…! أو: هل تعرفون أن مدرّس الحب سيوفر علينا أجور باقي المدرسين لأني في هذه الحالة سأزوج ابنتي وأرتاح من دراستها… أو: المشكلة لو كان معلم الرياضيات هو نفسه معلم الحب!  وبعد هذا تريدون منا ألا نصدق بوجود مؤامرة هدفها الترويج للدروس الخصوصية؟!

العدد 1107 - 22/5/2024