الحكومة تغلق باب الأمل أمام الناس

 يسدل 2015 ستاره، بخيبات كثيرة، فوجئ بها السوريون، لاسيما في الملف الاقتصادي، والحياة المعيشية المتدهورة، فضلاً عن بقية التفاصيل الأخرى المتعلقة بالحرب الطاحنة المستمرة التي لم توقفها الأمنيات والرجاء.بلا منجزات يمكن وصف العمل الحكومي خلال العام الحالي. يمضي ،2015 كسابقه من الأعوام، إذ تتكرر الأمنيات الطيبة، ويُغلق باب الأمل مباشرة مع بدء عام جديد.

الأهم أن الحكومة هي من تغلق هذا الباب، في حين يحاول السوريون فتحه على مصراعيه، لتتدفق شحنات من التفاؤل بأن الغد المشرق قد يأتي. إلا أن الانتظار ـ بصفته سيد الموقف في بلادنا الجريحة ـ مازال قادراً على الحياة، ويطفئ جذوة الأمل في نفوسنا التي اعتادت على الصدمات الحكومية اقتصادياً ومعيشياً.

 لم تنجح الحكومة في معالجة القضايا الجوهرية، أثبتت فشلها الذريع في إدارة ملف المحروقات، ولم تتمكن من تطبيق البطاقة الذكية، أو التوزيع العادل لمخصصات المازوت والبنزين، والغاز المنزلي بدرجة أقل، على الناس. فظل الفساد في هذا الملف المنتفخ منذ سنوات، يتمدد، وتجذّر إلى درجة يحتاج اجتثاثه إلى حصاد رؤوس، يطلق عليها كبيرة، من كل الشركاء بهذه العملية. وليس أقلها عند السماح للقطاع الخاص في شباط الماضي باستيراد المشتقات النفطية، والثروات الهائلة التي جنوها على حساب الفقراء والضعفاء اقتصادياً والمنتجين الحقيقيين

. من المخجل ألا تتمكن الجهات المعنية في كل المحافظات من توزيع احتياجات الناس من المازوت لمواجهة شتاء بارد، وأن تترك الحراج الطبيعية عرضة للاحتطاب الجائر، فيما تثار الأسئلة حول من يتمكن من الاحتطاب؟ ومن لديه الصلاحية والقدرة على نقله من الغابات للمستهلكين؟ ضاق المواطن ذرعاً من المطالبة والشكوى، لتحسين واقع الخبز، سئم الكلام المنمّق الذي يسمعه من المسؤولين تجاه محاربة المتاجرين بالدقيق التمويني، وهو يعلم يقيناً أن اليد التي تتاجر بلقمة عيشه، قد تكون شريكة مع اليد التي يفترض أن تحاسب.

 كما أن المواطن التزم الصمت حيال برامج التقنين الكهربائي غير العادلة، هذه البدعة التي خلقتها وزارة الكهرباء، ومضت في ترسيخها. لم يعد بإمكان المواطن الحديث عن أزمة النقل، مقابل 100 باص استوردتها الحكومة، وهلّل لها الإعلام المحلي، واعتبر هذا إنجازاً يستحق التوقف عنده، فضلاً عن التنويه الحكومي الدائم بهذا الموضوع، ما جعل رؤية أحد هذه الباصات أو الركوب فيها حلماً. بالمناسبة، محافظ طرطوس تجرأ، وقاد أحد هذه الباصات في شوارع طرطوس، بلا ركاب.

أزمة النقل لها شقّ مهمّ يتعلق بشرعنة حالة الابتزاز لشركات النقل الداخلي الخاصة التي تستحوذ على خطوط بعينها، وتفرض تعرفة تناسبها، ضاربة عرض الحائط بكل العقود المبرمة مع الجهات العامة، دمشق أنموذجاً. وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس بالنسبة للنقل بين المحافظات الذي بات بيد من يتحكمون بالناس، ويفرضون شروطهم رغماً عن أنف الجميع.

أما في التعليم بشقيه العالي والأساسي، فإن الحالة التي يرثى لها لوضع المدارس والمعاهد والجامعات، والترهل الكبير في العملية التعليمية والتدريسية، والأخطاء المرتكبة في المناهج، لا يمكن القبول بها، رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها الطلبة للاستمرار في تلقي العلم والجلوس على مقاعد الدراسة لرسم مستقبلهم بالعلم، لا بأي وسيلة أخرى يحاول الجهلاء فرضها.

 أما في المستوى المعيشي المتدهور بسرعة، فلا يمكن إضافة جديد، بعد ارتفاع معدلات التضخم لرقم أسعار المستهلك شهرياً بما يفوق 400 بالمئة، وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء، وتسجيل الإنفاق الأسري أرقاماً جديدة تصل وسطياً إلى 150 ألف ليرة وفق تقديرات الخبراء، وانخفاض قيمة الليرة وقدرتها الشرائية بما يعادل 85 بالمئة، والانزياحات الهائلة في الطبقات الاجتماعية التي تنزلق باتجاه الفقر وخطوطه التي ألغت الحدود والهوامش بين الفقر الاعتيادي والمدقع، وبين الفقر الوطني والعالمي وفقاً لمنهجيات كل جهة.

 أما البطالة، العدو اللدود للتنمية، فلا أرقام ولانسب حقيقية، يمكن وضعها، فالواقع يتحدث بشكل أصدق من الجميع، وهو المرآة التي تصدم كل المتفائلين بمعالجة ملف ينعكس على الاقتصاد الوطني سلبياً، وثمة حتى الآن من لا يراه من الملفات المهمة والتي يجب معالجتها بالسرعة الكلية.

لم تقدّم الحكومة ما يلزم للفلاح حتى يزرع أرضه، ولا للصناعي للاستمرار في العملية الإنتاجية. بل ذهبت أكثر في حملتها للتضييق على أصحاب المهن، كفرض الضرائب والرسوم، ألا يكفي قرارها الأخير بتخفيض هامش ربح الصيدلاني 3,5 بالمئة، بينما رفعت أسعار الدواء لمنتجيه بنسبة 50 بالمئة في آب الماضي؟

تبقى الهجرة التي تغرّد التصريحات الحكومية خارج سرب المنطق، في معرض تبريرها للأسباب التي تدفع شباباً للمجازفة وركوب رحلة المخاطر، هذا الملف المؤرق تنامى في الفترة الأخيرة، لسبب بسيط، هو الفشل الحكومي في تقديم الخدمات، وعدم الرغبة في معالجة القضايا، رغم الحرب الطاحنة التي يدفع ثمنها يومياً الفقراء والضعفاء اقتصادياً.

تكرار الملفات ذاتها، والمشكلات عينها، يؤكد أن المعالجات الجدية غائبة، والفشل في حلها حليفنا. وبينما تتحدث الحكومة عن إجراءات وخطط وبرامج مختلفة، ومتابعات للقضايا الشائكة، يعكس الواقع مدى عمق الأزمة باختلاف جوانبها، وتتضاءل فسحة النور أمام المزيد من الظلام القادم، فالحكومة بشّرتنا بزيادات قادمة على الأسعار والرسوم، لكنها لم تبشّرنا بإجراء يخفف العبء عنا، أو قرار يقلّل من مأساتنا.

العدد 1105 - 01/5/2024