بريق الطفولة تُطفئه الحرب واللامبالاة

بريق الطفولة في عينيها أمسك بي فوقفت، لوحة إنسانية كانت أمامي كثيرة التفاصيل صامتةً حدّ الصراخ، تاه فكري من أين أبدأ قراءة المعالم. قاطعتْ دهشتي جملتها المتوّسلة: اشتري مني يا خالة!

حرب شريرة قطعت حبال أحلامها، شوّهت ظروف الطقس معالم وجهها، لكنها مازالت الأجمل، إشارة المرور كانت سندها الوحيد في ضعفها تُسند عودها الطريّ إليها لتستريح.

كم هي محظوظة أن المدرسة ومتطلباتها استطاعت أن تسرق من مهامها اليومية كبائعة، وبعيداً عن الشارع، بعيون ناعسة قامت تكتب واجبها وتحفظ الدرس..

هي طفلة أكبر من كلمة مكافحة، لا أدري إن كان عملها لحاجة، أم تتبع لشبكات التسوّل المنتشرة، في كلتا الحالتين هي طفلة مسلوبة الحقوق، منهكة من الحياة وأوراقها لمّا تتفتح بعد.

(رنا) حالة أو رقم مررت بها وسمعت جزءاً من حالتها. لا نستطيع أن ننفي وجود عمالة وتسول للأطفال قبل الحرب، لكنها كانت تجمعات خجولة قد تمسّها الدوريات المهتمة لتصلح الحال. لكن اليوم، في دوامة حرب تطاول نَفسها 7 سنوات، وشهيق نارها مازال مسموعاً، فلقد ازدادت الحالات وصارت تتخذ سمة مشروعة بحجة الحرب.. غلاء متطلبات الحياة، لقمة العيش، قبس نار لضلوع متجمّدة في أحضان الشتاء.. الخ

كثيرة هي المسوّغات التي تدفع بكل مواطن ليحارب، وقد كان الأطفال من ضمن الأسلحة المستخدمة، أو وقفوا في صفوف الجند لنيل رغيف خبز يسدُّ الرمق.

هذا جانب من المعاناة التي تعتصر كيان الشعب السوري عموماً والأطفال خصوصاً، فالحالة الاقتصادية لم تقف عند باب أن ترميهم للعمل، لكنها كذلك ضيّقت الخناق على مستلزمات الطفل وحاجاته لينال فُتاتاً لا أكثر.

اليوم، نرى من الحالات الكثير، فهناك من حُرم أهله أو مدرسته، وأجزاء من حرية طفولته حين بَتر الصاروخ قدماً كان حلمها أن تُسدد أهدافاً كُروية يُخلّدها التاريخ، أو فتك مرض منتشر بجسده لقلّة الرعاية الصحية في بعض المناطق وانعدامها كلياً في أخرى.

اليوم، لا يمكن التعميم بالأحكام والحالة على كل الأطفال داخل سورية، وحتى في المخيمات الصورة متغيّرة عند كل طفل بين عمالة وتشرد أو موت ونزوح وإعاقة يتأرجح فيها واقع الطفل السوري.

والتأثير النفسي سلباً هو الأعظم في منعكسات قد نجهل نتائجها، فالحرب صارت مهدهم الذي أخذوا من سلبياته كل مأخذ.

هذا كله ونحن شعوب تتوزع فيها المنظمات الدولية والإنسانية المطالبة أو الممولة، والمضحك أن أصوات المؤتمرات تحاول أن تنافس أصوات القذئف حين يصدح الخطاب بما يجب أن نفعل وما يلزمنا للحل!!

كلام لم نرَ له أثر إلاّ رسمه بالحبر على الورق، لا إجراءات ولا قوانين كافية تحمي الطفولة وبراءتها!!

أين حقوق الطفل التي نصّت الأمم المتحدة عليها في 20 تشرين الثاني ضمن اتفاقية حقوق الطفل وخصصت يوماً للاحتفال عالمياً بالطفل أينما كان؟

أين مشروع قانون الطفل الذي وضعته الهيئة السورية لشؤون الأسرة منذ سنوات، أم أنه ما زال في الأدراج تُقلبه الرطوبة والعفن؟

العدد 1107 - 22/5/2024