عامٌ جديدٌ والأمنيات نفسها

بعد حوالي السَّنوات السَّبع من الحرب الضَّروس والموت اليومي، والمعاناة المتعدِّدة الألوان والأشكال، أين هم أطفال بلادي؟

ماذا تبقَّى من طفولة أبناء بلد الحرب التي لم تشهد البشرية سابقةً لها؟

حين بدأتُ أفكر بتناول هذا الموضوع، عدتُّ إلى مواضيعَ قديمةٍ جرى التَّطرُّق فيها إلى الأفكار نفسها، ما أصابني بالخجل ممَّا نحن عليه، فلا شيء قد تغيَّر، المطالب ذاتها والأمنيات نفسها نتمنَّاها كلَّ عامٍ في اليوم العالمي للطِّفل…

الطِّفل، الطُّفولة، هذه المفاهيم التي لم يتبقَّ منها إلاّ أشباحٌ ممّن جرى اغتيالهم/نّ في حاويات القمامة وبيوت الدعارة وأرصفة الطرقات… بحثاً عن مأوى أو لقمةٍ تسدُّ رمق الجوع، أو عملٍ يكفي شرَّ الحاجة والفاقة!!

أطفالنا يوءَدون كل لحظةٍ، في حين يحيا أطفال العالم الأول على أحلامهم وطموحاتهم وآمالهم بغدٍ أفضل، مستهجنين أن هناك، في الطَّرف الآخر من العالم، أطفالاً مثلهم لهم الحقوق ذاتها والأحلام والأمنيات ذاتها.

مؤخَّراً… التفتت بعض المنظَّمات الأهلية لضرورة إنقاذ هؤلاء الأطفال من براثن الحياة المُجحفة، إلاّ أن عملها يُلاقي صعوباتٍ جمَّةً، أوَّلها إشكاليَّة الوصول والتواصل مع الأطفال، لانعدام ثقتهم بكلِّ الغرباء، ولأنَّ حياتهم القصيرة، الملأى والصَّاخبة، علَّمتهم الخوف والحذر من كلِّ من يقترب منهم، غير مقتنعين ولا مصدِّقين بوجود أشخاصٍ يمدُّون لهم أيديهم لتخليصهم من براثن ما يعيشونه، خشيةً عليهم من مزيد من الكوارث.

مباركةٌ تلك الجهود، لعلَّها تتحوَّل إلى مشروعٍ حكوميٍّ حقيقيٍّ يُنقذ من تبقَّى، فهؤلاء الأطفال بعد بضعة أعوامٍ سيصبحون شبَّاناً وشابَّات، ولنا أن نرى مستقبلهم منذ اليوم واضحاً إن لم يستمر العمل الجماعي لوقف هذه المجازر بحقِّهم.

ولنطمح بأن يكون العمل جدِّياً مكلَّلاً بالحبِّ والعاطفة الصَّادقة البعيدة عن التَّباهي والزَّيف الإعلامي أو المكاسب المادية، لعلً الضِّحكة والصَّفاء يعودان إلى تلك الشِّفاه والوجوه الواجمة، فيُمسي بمقدورنا التَّغنِّي بقول الشَّاعر بدوي الجبل:

ويا ربِّ من أجل الطُّفولة وحدها

أفض بركات السِّلم شرقاً ومغربا

وصُن ضحكة الأطفال يا ربِّ إنَّها

إذا غرَّدت في ظامئ الرَّمل أعشبا

ويا ربِّ حبِّب كلَّ طفلٍ فلا يرى

وإن لَجَّ في الإعنات وجهاً مقطَّبا

ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم

ولا خلدها -أستغفر الله -أنجبا

العدد 1105 - 01/5/2024