الاقتصاد وإعادة البناء

 لم تخرج الندوة الأخيرة لجمعية العلوم الاقتصادية فرع اللاذقية عما اعتادت عليه من تشخيص وتحليل دقيق تقدمه النخب الاقتصادية والاجتماعية، وقد كانت الندوة بعنوان (الاقتصاد وإعادة البناء).

بدأ الدكتور سنان علي ديب بتحديد الإطار العام للنقاش، مقدماً قراءة واقعية وتاريخية لوضع الاقتصاد السوري الذي استنزف الكثير من خيراته كمحاولة لقتل الروح السورية بعد أن عجزت الأعمال التدميرية واللعب الاستخبارتية، وإن ما خسره الاقتصاد لدليل واضح على القوة والمناعة المتوارثة من الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، التي جعلت سورية تواجه الحصار الاقتصادي بصلابة بنيوية واجتماعية، ولكن سرعان ما حصل انقلاب على النهج الذي أوصلنا إلى الصلابة تحت إطار يراد منه توريط البعث بممارسات أبعد ما تكون عما جرى من سياسات وبرامج اقتصادية، فولّد هذا الالتفاف نتائج اجتماعية كارثية من حيث البطالة والهجرة والفقر، أسّست لكومة القش القابلة للاشتعال وكانت هذه النتائج من مداخل ما حصل بسورية، فعولمت الأزمة ومورس بحق سورية وشعبها أقسى أنواع الإرهاب، نجم عنه بخسائر تجاوزت 250 مليار دولار، مع تدمير أكثر من مليون شقة ومحل تجاري و3000 منشاة صناعية وأكثر من 3000 منشأة تعليمية ومئات المراكز الصحية والمشافي التي منها ما يعد أهم المشافي في المنطقة،

وكل هذا الانقلاب تساير مع فساد منظّم لا طائفة له ولا دين، أعاق مؤسسات التنشئة (من أسرة وتعليم وإعلام ودين) من أخذ الدور المنوط بها ليصبح الفضاء الإعلامي وأدوات التواصل من يصنع الفكر ويغذي العقل، وهو ما كان وما نجم عنه أزمة أخلاق وفوضى عارمة مترافقة مع تهميش دور المؤسسات تماشياً مع المشروع المعولم، المتضمن إضعاف دور الدولة وتهميش المؤسسات والاعتماد على ركائز مالية سوداء معولمة، واستدرك الدكتور إن الإرهاب الاقتصادي أخطر من الإرهاب العسكري ويتفوق عليه في هذه الظروف، وأي حسم لا يتوازى مع حسم اقتصادي لنهج يراعي الخصوصية السورية ويعيد العدالة الاجتماعية هو انتصار لقوى الإرهاب ولمن صنعها ورعاها.

 وبعد ذلك تكلمت النقابية السيدة تيريز مسرة عن دور الأسرة كنواة لقوة المجتمعات وعن أن أي خلل في دور الأسرة سينعكس على المجتمع، وكذلك عن الضعف في إعداد القادة للعملية التنموية وسوء الاستثمار في حال وجودهم، وأن الفساد معشّش في المؤسسات، وان أهم بناء هو بناء الإنسان، وأن الحرب على سورية كانت نفسية قبل أن تكون عسكرية واقتصادية.

ثم تكلم نجدات علي عن فراغ سياسي يجب ملؤه بأحزاب تمثل الجميع: الطبقات البرجوازية والطبقات العاملة، ولابد من ضرورة حرية التعبير وفسح المجال في الوسائل الإعلامية.

وتكلم علي ريا من الحزب الشيوعي السوري الموحد عن أن السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد، وتساءل: هل يوجد في سورية مشروع واحد أم مشاريع؟ فهناك مشروع الفساد، ومشروع القوى الوطنية، والصراع يأخذ أبعاداً كثيرة سياسية واقتصادية وعسكرية ويجب أن يكون الاقتصاد حالياً بحالة وقائية وعلاجية وبعيداً عن الربحية، ويجب عدم الكلل من حماية الوطن والمواطن، ولذلك نحن بحاجة إلى اقتصاد يقلل من الفقر والهجرة والبطالة ويزيد الروح الجماعية، اقتصاد يحل مشاكل المجتمع وليس الفرد.

ثم تكلم الأستاذ حكمات جراد عن مؤسسات التنشئة والخلل الواضح في مسيرتها ونتاجها، بدءاً من الأسرة وضعف دور الجمعيات ومنها جمعية رعاية الأسرة والطفولة، مروراً بمؤسسات التنشئة، من خلال مناهج بعيدة عن الواقع السوري، واختيار المديرين والكفاءات، وصولاً إلى المؤسسة الدينية  وأداء الكوادر والخطب الناتجة عنها.

وتحدث نديم شامدين عن ضرورة انتهاء الأزمة وانطلاق إعادة البناء، وأن يكون هناك مناعة للمجتمع مترافقة بنواة اقتصادية وتقوية دور المؤسسات وتحديث القوانين، فمن دون تحديثها لا يمكن إعادة البناء.

ثم تحدث بسام الحسين عن ضرورة توسيع المشاركة الشعبية، وعن ضرورة مراعاة اللامركزية في التخطيط والفعل وأشار إلى  التحديات الكبيرة التي ستعرقل إعادة البناء من فقر وبطالة ونزوح.

وبعده تحدث عيسى غدير عن التكامل في عملية البناء وأن تسبق بأولويات محددة، وتساءل: هل الأفضلية للاقتصاد أم السياسة أم الأسرة؟ وأكّد أن أي مشروع بناء سيواجه بفساد مؤسس، وأن هناك طاقات غير مفعّلة ومهمشة ومقصية.  واستطرد بأن الخطاب الديني في الفترة الماضية كان بعيداً عن الواقع وأن الإعلام أبعد ما يكون عن الدور المنوط به.

وكان الحديث الأخير لدينا إلياس التي قالت إن لم نؤمن بالمؤسسات فلن يكون هناك إعادة بناء ورأت أن للاقتصاد السوري بصمة وخصوصية يجب أخذها بالحسبان.

وختم الدكتور سنان بضرورة السير بالإصلاح الإداري والاقتصادي مسايرة للمواجهة العسكرية، والكل يجب أن يقف مع المؤسسات ومنها العسكرية التي يجب أن يكون لها الكلمة الأولى والأخيرة، وأكيد كلنا مع السيادة السورية وإن كنا نرى بعض الخلل في سياسات بعض الدول إلا أننا ننظر إلى الدور الروسي الأخير بأنه دور المقوي الحامي لوحدة الجسد ووحدة الشعب، ولا ننظر إلى أي سوري إلا كأخ ودمه غال، وأكّد أن في سورية ركائز كثيرة همّها الوصول إلى بر الأمان ويجب الوقوف والتعاون مع كل شريف في أي خندق للسير نحو الخلاص، وأن أي حسم لا يترافق بحسم اقتصادي بحيث تقود الدولة العملية الاقتصادية وإعادة البناء، وتشرك فيها كل الإمكانات والطاقات، لا معنى له، وتفريط بالدم السوري.

وأن من يلعب بالدولار الآن هو وجه أخطر لمشروع تدميري تفريغي بعد استعصاء المشروع العسكري الإرهابي.  ثم شكر الدكتور سنان (رئيس الجمعية) كل من ساهم في نجاح الملتقى من وسائل إعلامية متمثلة بالتلفزيون السوري، ووكالة سانا وجريدة (النور) والشخصيات الوطنية التي وقفت ضد بعض من حاول العرقلة أو الإلغاء لخوفهم من سماع الكلمة الحرة والتوصيف الدقيق، ووعد بنشاطات قادمة أكثر شعبية وانتشاراً.

العدد 1107 - 22/5/2024