الشعراء الصعاليك وكتاب ينتظر النقد والقراءة

شهد التاريخ العربي من العصر الجاهلي حتى العصر الأموي ظاهرتين اجتماعيتين أدبيتين، وهما ظاهرة الصعاليك في عصر الجاهليين، وظاهرة العذريين في العصر الأموي، وما جمع بين الاثنتين من الناحية الأدبية هو الشعر العربي الرفيع على الرغم من الاختلاف في المضامين ذات المناحي المختلفة، مع هذا الاختلاف أنهما يلتقيان في رفعة الشعر وفي جماله، ولأن الأمر كذلك فلا أستطيع أن لا أعتقد أن الشعر هو الذي أوصل إلينا أخبار الظاهرتين المحترمتين، ومن جمال الأمر أن الظاهرتين وصلتا إلينا بالأسماء المؤكدة، وبالأخبار المفصلة، ولذلك فإن الشعر له الفضل الكبير علينا، وإننا لولاه لما حصلنا على هذا الكم من الأخبار. ولا على غذاء الروح المتمثل بالشعر. ولأن الشعر بهذه الأهمية أصبح مصدراً من مصادر البحث والتدقيق، ولذلك خضع لدراسات علمية من ضمنها الدراسات المتعلقة بعلم النفس، ويحدث أن تأتي دراسات أخرى لتعرج على الشعر وتدرسه. وحين يصادفنا كتاب (علمي أدبي) عن الصعاليك في عصر كهذا نشعر أن الشعر بدأ يدخل إلى مناحي الحياة الأخرى، أي أنه بدأ يخضع لدراسات علمية حديثة كان من نتاجها كتاب السيدة الدكتورة غيثاء قادرة بعنوان: (لغة الجسد في شعر الصعاليك). وقد صدر عن اتحاد الكتاب العرب في عام 2013.

هذا النوع نستطيع أن نقول إنها دراسات حديثة، ولا شك في أنها تستند إلى مصادر علمية وأدبية من جهة، ومن جهة أخرى أن الموحي لها هو ما صدر في السنوات الأخيرة من كتب نذكر منها كتاب (لغة الجسد) لآلن بير، ترجمه سمير شيخاني، فصدر عن الدار العربية للعلوم في عام 1997.

إضافة إلى المصدر المذكور هناك مصادر أخرى تعلقت بلغة الجسد، لا ضرورة لذكرها لأن كتاب لغة الجسد في شعر الصعاليك يختلف عنها ولربما أنفع واقوى من الناحيتين التاريخية والأدبية، ومع هذا ما زلت أتمنى على المؤلفة لو فصلت بين صعاليك العصر الجاهلي وصعاليك العصرين الأموي والعباسي لأن الفارق بين هذا وذاك يفرض علينا التعامل الدقيق مع هذه الظاهرة الممتدة عبر عصور عربية بمواقف وقيم تختلف من مرحلة إلى أخرى، وعلى سبيل المثال في ذلك أن صعاليك الجاهلية يختلفون بسلوكهم عن الصعاليك الذين ظهروا بتمردهم في العصرين الأموي والعباسي وهذا لا يعد تعميماً على كل من جاء في العصرين الأخيرين، وإنما هناك شخصيات توازي الشنفري وتابط شراً لأنها ذات بأس شديد، وصاحبة شعر رفيع، فنأخذ منها مالك بن الريب وقد قال في يأئيته الشهيرة:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا

فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه

وليت الغضى ماشى الركاب لياليا

لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى

مزاراً ولكن الغضى ليس دانيا

 

ملاحظات لا بد منها:

1 الفارق بين صعاليك العصر الجاهلي وعصري الأمويين والعباسيين، يكمن في أن بعض الباحثين أخطؤوا في عدم التفريق بين عروة بن الورد ومن معه، وبين لصوص يقولون الشعر ولا يشكلون العناصر الموازية لصعاليك الجاهلية من الناحيتين الأدبية والأخلاقية.

2 وكما أخطأ بعض الباحثين في تفسير نشوء الصعاليك عبر المراحل المذكورة، هناك من قصر في دراسة الظاهرة العذرية ولكن باحثين معدودين نزلوا إلى قعر الظاهرة فدرسوها دراسة جيدة.

3 مالك بن الريب من أهم الشعراء الصعاليك في العصر الأموي، وقد اشتهر بيائيته التي رثى بها نفسه حين أشرف على الموت وهو في جيش سعيد بن عثمان بن عفان في خراسان.

العدد 1107 - 22/5/2024