في كتاب للباحث العراقي مازن لطيف محطات من حياة المعجمي والمفكر الاشتراكي هادي العلوي وفكره

تكريماً لشخص المفكر والمعجمي الاشتراكي البغدادي الراحل هادي العلوي (1938 – 1998) ومكانته ودوره، أعد الباحث العراقي مازن لطيف كتاباً بعنوان (محطات من حياة وفكر هادي العلوي)، صدر مؤخراً عن (دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر) في العاصمة العراقية بغداد.  

جاء الكتاب الذي نسلط الضوء عليه في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عالم التراث والتاريخ هادي العلوي (أبو حسن) في ثلاثة أقسام، خصص الأول والثاني منه لمجموعة من المقالات جمعها وحررها عدد من الكتّاب البارزين حول سيرة المفكر العراقي وآرائه في فترات مختلفة. والكتّاب هم: د. ميثم الجنابي (هادي العلوي شخصية ومصير)، د. رشيد الخيون (باحث متمرد وإشكالي من طراز مختلف)، وديع العبيدي (العلوي وعصرنة (المشاعية))، علاء اللامي (إشكالات التصنيف المنهجي والسِّيري.. هادي العلوي نموذجاً!)، مالك مسلماوي (العلوي معجمياً)، خالد سليمان (العلوي رجل استعاد لذاته مكان الفقر الأول)، زيد الحلي (العلوي.. رؤية قديمة جديدة.. (المال والجنس والجاه) هدف المثقف العربي)، أحمد عبد الحسين (عن المتصوف هادي العلوي)، وأخيراً نقرأ لمحرر الكتاب مازن لطيف مقالة بعنوان (عن كتاب (هادي العلوي.. المثقف المتمرد)). فيما خصص القسم الثالث لبحث نشره (العلوي) في عام ،1980 حول (الجذور التاريخية للعمالة) يبحث في التواطؤ مع الأجنبي ضد مصالح الوطن والشعب.

جاءت مقدمة الكتاب إضاءة  لمسيرة (العلوي) مفكراً مشاعياً وإنساناً زاهداً أصيلاً، ومما جاء فيها: ( إن المفارقة التي تلف حياة هادي العلوي تقوم في كونه من أهم الشخصيات العراقية الفكرية والثقافية الحرة في القرن العشرين، وأكثرها تعرضاً (للإهمال) داخل العراق. وهي حالة ليست معزولة عن واقع الغربة الطويلة والمعارضة المستميتة للنظام الدكتاتوري الصدّامي من جهة، ولشخصيته الحرة و(المشاكسة) من جهة أخرى. فقد عاش هادي العلوي حياة مفعمة بالعطاء الفكري والثقافي. وهو صاحب العشرات من المؤلفات الجريئة).

ذلك أن كتب (العلوي) وآراؤه (شكلت صدمة للمثقفين ولقرائه لما فيها من إشكالية في طرح قضايا تعتبر من (المحرمات) التي لا يستطيع المثقف العربي طرحها أو مجرد ذكرها. وقدم أعمالاً فكرية وأبحاثاً غاصت في عمق التراث العربي والإسلامي، الذي وجد فيه أولاً وقبل كل شيء فكراً معارضاً لسلطة الدولة الغاشمة والمال في العصور الغابرة).

ويشير الباحث العراقي مازن لطيف إلى أن المفكر البغدادي هادي العلوي (قدم للمكتبة العراقية والعربية والعالمية أكثر من 20 كتاباً تناولت قضايا التراث العربي والإسلامي وقضايا التصوف وقضايا المرأة، والعديد من المقالات التي تميزت بتحليل ونكهة ماركسية. لكنه وقف في الوقت نفسه ضد فكرة التقديس. فلا شيء مقدس، انطلاقاً من أن كل شيء قابل للنقد والتحليل الموضوعي. وكان نقده واضحاً وصريحاً لأصحاب العقيدة الشيوعية من السياسيين والمثقفين الذين أخذوا بالانحراف، من وجهة نظره، عن أصولهم الفكرية). مضيفاً: (حاول العلوي البحث عن زعيم مقتدر يجمع بين الشرف الشخصي والشرف الوطني والطبقي لكي يعمل معه. لكنه لم يعثر عليه إلى أن وافاه الأجل).

أديب الفكر العربي الحر في موازين النقد

في القسم الأول من الكتاب وعنوانه (فكر هادي العلوي) يؤكد البحاثة الدكتور ميثم الجنابي في مقالته بعنوان (هادي العلوي شخصية ومصير) أن المفكر الراحل (جمع في أعماقه وشخصيته هموم الثقافة العربية وتاريخها الحر وروحها النقدية. من هنا تنوع أبحاثه ومواقفه بحيث نعثر فيها على أشكال ومستويات وتنويعات عديدة. من هنا تنوع مستوياتها وقيمتها، إلا أنها تعكس أساساً ما أسميته بوحدة همومه الفكرية والروحية. ولا يقلل من قيمتها الطابع الجزئي والعرضي والأيديولوجي الصرف أحياناً الذي نعثر عليه في بعض كتاباته. فقد كانت على سبيل المثال كتاباته اللغوية اجتهادات جزئية. وينطبق هذا على مؤلفاته التاريخية. وقد يكون من الأدق القول بأنها دراسات وأبحاث ومواقف في قضايا التراث العربي الإسلامي. وينطبق هذا على كتبه السياسية. أما التصوف فإنه لم يكتب فيه شيئاً. واقترابه منه كان في نهاية العمر، ومحصوراً بقضايا تتعلق بالقيم فقط. وأقصد بذلك قيم التصوف الأخلاقية ونمط الحياة الشخصي والفردانيّة الحرّة وفكرة المثقف القطباني أو الكوني. فالعلوي لم يكن مهتماً أو باحثاً في التصوف. على العكس كان في أغلب سنوات اهتمامه العلمي مهملاً للتصوف بل ومعارضاً له. وقد يكون إعجابه الشديد والمفرط بكتاب حسين مروة (النزعات المادية دليلاً أو إشارة إلى ذلك. وإذا كان حسين مروة يعتبر التصوف حجارة في مياه راكدة، فمن الممكن توقع انطباع وتصور العلوي عن التصوف والمتصوفة. وكلاهما لم يفهما آنذاك حقيقة التصوف. وهذا بدوره كان نتاجاً لثقل الأيديولوجية الماركسية وحماسها الثوري والمبتذل في الموقف مما لا يتشابه معها بالأسلوب والمظاهر).

أما في القسم الثاني، الذي حمل عنوان (انطباعات وذكريات عن هادي العلوي)، فيؤكد الباحث خالد سليمان أن (شخصية المفكر العراقي الراحل هادي العلوي تعتبر من بين الشخصيات الأكثر إشكاليةً في الثقافة العربية والإسلامية والأكثر اختلافاً في حقول المعرفة الفلسفية والدينية). وأن (هذا الرجل الذي جمع بين الدين والفلسفة والمعرفة والسياسة في كتاباته وبحوثه الفكرية النقدية، دخل عالم الفكر والثقافة من مكان منسي وبيئة اجتماعية هامشية مرتبطة بفقر شديد وتخلف ثقافي كبير صنعه برأي العلوي العثمانيون).

العلوي في سطور

ولد هادي العلوي في بغداد 1932 ونشأ في كرادة مريم التي كانت آنذاك ضاحية ريفية من ضواحي بغداد. أنهى دراسته في كلية التجارة بتفوق في عام 1954. في أوائل الخمسينيات تعرف هادي العلوي على جريدة (الأهالي) التي كان يصدرها كامل الجادرجي، فصارت جريدته المفضلة. وبدأ في تلك الفترة نشر بحوثه بعد أن استكمل أدواته المنهجية الخاصة، وكان أول بحث له قد نشر في مجلة (المثقف) التي كان يديرها علي الشوك. ترك العلوي نتاجاً معرفياً كبيراً في مجالات الفكر العربي والإسلامي والعالمي وغيرها. واهتم أواخر حياته بما أسماه (مشروع المشاعية). ولم تأسره الأيديولوجية بعد أن هجر الأيديولوجيات الحزبية. وقد اعتبره المستشرق الفرنسي ( جاك بيرك) أحد أهم عشرة مفكرين في القرن العشرين.

توزعت حياته بين العراق وسوريا وانجلترا والصين. ترك عدداً كبيراً من المؤلفات، مثل: ((أراء وأصداء)، وهو أول كتاب له ويجهله الكثيرون، (فصول من تاريخ الإسلام السياسي)، (من قاموس التراث)، (المنتخب من اللزوميات نقد الدولة والدين والناس)، (الكتاب الأحمر)، (مدارات صوفية)، (ديوان الوجد)، (المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة)، (قاموس الإنسان والمجتمع)، (تاريخ التعذيب في الإسلام)، (الاغتيال السياسي في الإسلام)). إضافة إلى العديد من المقالات والدراسات في المجلات العراقية والعربية. توفي في 27/09/1998 في دمشق ودفن فيها.

العدد 1104 - 24/4/2024