مقبولة الشلق

هي الحقوقية المناضلة والأديبة والشاعرة التي جسدت مثال المرأة السورية الرائدة خلال مسيرة حياتها التي حفلت بالعطاءات.

ولدت مقبولة الشلق في كنف أسرة دمشقية عام 1921 والدها حمدي الشلق من كبار قضاة دمشق، بدأت الدراسة للمرحلة الابتدائية في الخامسة من العمر، وتابعت المرحلتين الإعدادية والثانوية، وانتسبت عام 1940 إلى كلية الحقوق فكانت أول فتاة سورية تتخرج عام 1944 وتحمل إجازة في الحقوق من الجامعة السورية.

تأثرت كثيراً بأفكار الاشتراكية، بفعل علاقتها الوطيدة بشقيقها فوزي، الذي كان أحد قادة الحزب الشيوعي السوري في دمشق،وتميزت بجرأتها لاسيما بعد ورودها منهل التعليم الجامعي، إذ تجاهل البعض وجودها، وتعمد البعض الآخر ترسيبها في الامتحانات ليثنيها عن متابعة الدراسة، فضلاً عن مضايقات زملائها الطلاب المزعجة، إلا أنها على الرغم من ذلك استطاعت أن تكافح حتى نيل إجازتها في الحقوق، لكن معاناتها استمرت بعد التخرج حين سُدّت في وجهها كل السبل، فقد اشترط عليها بعض الأساتذة عدم مزاولة المحاماة، حينذاك تدخل السيد الرئيس شكري القوتلي وضمها إلى سلك التعليم، فعملت مدرسة لمادتي التربية الوطنية والتاريخ في مدرسة تجهيز البنات بدمشق مدة 5 سنوات، وبعد زواجها من الدكتور مصباح المالح سافرت برفقته إلى فرنسا حيث طلبت إحالتها على الاستيداع من خدمتها كمعلمة، لتتابع أثناء وجودها في باريس اختصاص رعاية الأمومة والطفولة بأرقى المناهج بجامعة السوربون، وعند عودتها للوطن الأم اضطرت إلى الاستقالة من عملها لتتمكن من تربية أطفالها لعدم توفر دور للحضانة آنذاك، وعندما كبر أولادها ورغبت بالعودة إلى العمل وجدت صعوبات كبيرة حتى استطاعت الحصول على تأييد وزير التربية حافظ الجمالي الذي أتاح لها العودة للعمل والمباشرة بمكتبة الوزارة حيث كانت لها فرصة جديدة للكتابة والعطاء الأدبي الذي أنتج الكثير من المؤلفات، فكانت بداياتها الأدبية المبكرة كتابة الشعر الذي نشرت القسم الأكبر منه في ديوانها (أغنيات قلب) عام 1982 وهو مجموعة من الشعر الوجداني والقومي، ثم اتجهت إلى كتابة القصة القصيرة وكتابة المقالة في المرحلتين الثانوية والجامعية، فسلطت الضوء في كتاباتها على بعض المشاكل والمواضيع الاجتماعية القائمة، وكانت تنشر قصصها باسم مستعار (فتاة قاسيون).

كتبت عن دمشق التي أحبتها وأهدتها كتابها الأول بعنوان (قصص من بلدي)، وظلت تسطر الفصول عن (دمشق) وتكتب عن عادات أهلها وعن ذكرياتها حتى قبل شهر من وفاتها. كذلك أحبت الأطفال فكتبت لهم كثيراً من القصص، تدعوهم إلى حب الطبيعة، والعمل ومقاومة الاعتداء، وصدرت لها عدة مجموعات قصصية للأطفال: (ابتسامات حنان، سيدة الثمار، عرس العصافير)، وشاركت بنشر الكثير من قصص الأطفال في عدد من الصحف والمجلات،وكتبت القصص الملحمية التي تمجد فيها البطولة الملحمية والفداء، من ذلك قصتها (عرس من نوع جديد) التي ألقتها في ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاد عروس جنوب لبنان البطلة (سناء محيدلي). ولم يقتصر نشاطها الأدبي على ذلك بل كانت تقيم الندوات الأدبية وتشارك فيها، وانتسبت إلى اتحاد الكتاب العرب، وكانت عضواً في جمعية القصة والرواية.

تعد مقبولة الشلق من أبرز الناشطات الاجتماعيات في سورية قبيل الاستقلال وبعده، بدأت ثورتها على وضع المرأة في بلادنا مذ أن كانت طالبة، فكتبت وخطبت، واشتركت في الجمعيات النسائية، وحاضرت في المنتديات مطالبة بحقوق المرأة، وبضرورة مساواتها بالرجل في بعض الميادين، وكان لها تاريخها النضالي الطويل ضد الاستعمار، فقد بدأ نضالها في وقت مبكر وهي طالبة بمدرسة التجهيز، شاركت بمؤتمر (عصبة مكافحة الفاشية) التي أشرف على نشاطها الحزب الشيوعي السوري، وضمت نخبة من السياسيين والمفكرين والأدباء والمثقفين في سورية، باسم طالبات (تجهيز دمشق)، كما كانت من أوائل النساء اللاتي شاركن في أول مظاهرة نسائية خرجت في شوارع دمشق، وقد ألقت كلمة حماسية ضد الاستعمار الفرنسي ونُشرت كلمتها في جريدة (فتى العرب)، ولم تكن حينذاك إلا في السادسة عشرة من العمر، كما كان لها نشاطات وطنية عدة منها العمل مع جمعية اليقظة الشامية، وزارت مقبولة الشلق بُعيد العدوان الثلاثي على مصر مدينة بور سعيد برفقة الوفد السوري، وألقت هناك قصيدتين حماسيتين أعجب بهما رجال الثورة، وكبار المسؤولين. كما كانت من أبرز الناشطات اللاتي ساهمن بتأسيس جمعية أصدقاء دمشق، إضافة إلى تأسيسها جمعية (رعاية الطفولة والأمومة) بعد عودتها من فرنسا 1952في قرى الغوطتين وبلدتي دمر وداريا، فكانت أول جمعية تعمل على خدمة أهل الريف، والعناية بنسائه، وتقديم المساعدة الصحية لأطفاله، بمساعدة كل من نبيلة الموصلي، ومرام جندلي، ومنور إدلبي.

رحلت مقبولة الشلق عام 1986 تاركة بصمة مميزة للمرأة السورية الحقوقية والمناضلة والأديبة.

العدد 1107 - 22/5/2024