ليست خيارهم الشخصي

لهؤلاء الأشخاص أسماء أو أن لهم مشاعر. المشكلة أننا نتطور ونتغيّر بالزمن فقط، حتى المفاهيم والتعاريف تطولها تحديثات الزمن، لكننا كأشخاص مازلنا مشدودين للماضي بزركشاتنا النفسية ومفرداتنا البالية أحياناً.

وتتمة القضية تكمن في أننا لم نقف عند اختيار ألقاب بديلة لهؤلاء، ونبذِهم وكأنهم عالة على الحياة، بل زادت الأمور بأن أُغلقت أبواب الحياة الباقية في وجوههم. فالشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة فقد شيئاً وليس كل شيء، ومازال قادراً على ممارسة الحياة، وحالته تلك ليست خياراً شخصياً، فالإعاقة تعود إلى العديد من الأسباب الناجمة عن الوراثة أو الولادة، وربما إلى حادث غيّر مجرى الحياة كما هو الحال اليوم في ظلّ الحرب. ففي جزء من ثانية تغتال الرصاصة أو شقيقاتها سلّم حياتنا وتحوّلنا إلى معزوفة بكماء أو خارج نطاق السمع. واقع الإعاقة أيّاً كان نوعها لا يمكن تغييره، لكننا نستطيع تغيير واقعهم المعيشّي والاجتماعي، وهذه المسؤولية تقع لا على عاتق الدولة فقط بل على المجتمع والدولة معاً، فالأدوار تتكامل وصولاً إلى واقع إنساني مُرضٍ لهؤلاء، لأننا، بكل صراحة، لا نقدم للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أي خدمة أو رعاية مجتمعية أو صحية يحتاجونها وتناسب احتياجاتهم، وما زاد في سوء أوضاعهم وأحوالهم هي هذه الحرب اللعينة، فدخل المواطن العادي لا يكفيه أن يعيش بالحدود الدنيا، فكيف بمن يحتاج إلى رعاية خاصة (نفسية أو معنوية أو مادية) وشروط معيشية معينة!؟

ما هو مُقدَّم قليل، فكل إنسان منهم مواطن ومن حقه التمتّع والاستفادة من كل الخيرات والميّزات، كأي مواطن عادي يعيش ضمن حدود دولته، ويتبع لها، ومن حق أي شخص منهم الدراسة ضمن صفوف أقرانه إن كان وضعه يسمح بذلك، ومن حقه أيضاً أن يحظى بوظيفة تضمن له لقمة عيشة وتضمن مستقبلة كإنسان.

فالخطوات اللازمة تبدأ بتقبّل المجتمع لهؤلاء الأفراد على حالهم، والتخلي عن نبذهم وإهانة رغبتهم في العيش لذنب ما ارتكبوه، فنبدأ بالسير على درب الدمج بتقديم كل الخدمات والحقوق في بيئة بعيدة عن عزلهم، وهذا يتطلب خطة متكاملة التنفيذ من المجتمع والدولة معاً، التنفيذ بضمير ورغبة حقيقية نابعة عن الإيمان بقدرة هؤلاء وحقّهم، مما سينعكس على المجتمع والدولة، والأهم على نفسية هذا الإنسان.

لا يكفي للنبات رشفة ماء ليعيش، إنه يحتاج إلى عناية متواصلة حتى يُزهر ويُثمر، كذلك المواطن والإنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة لن تُحلَّ مشكلاتهم إن كرّسنا جهودنا أو طبول الاحتفالات فقط في اليوم العالمي لهم… فلمَ لا ننطلق من هذا التاريخ ليكون نقطة البداية والتحوّل؟!

العدد 1105 - 01/5/2024