تقرير جديد.. وأرقام صادمة

 مع غياب، أو تغييب، دور المكتب المركزي للإحصاء في نشر الأرقام والمؤشرات المتعلقة بأثر الأزمة التي تعيشها سورية منذ عام 2011 على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فيها، ينشط العديد من الباحثين ومنظمات المجتمع الأهلي ومراكز البحوث والدراسات والمنظمات الإقليمية والدولية للقيام بهذه المهمة وسد الفراغ الموجود في هذا المجال قدر الإمكان.

في هذا الإطار يأتي التقرير الأخير الذي أطلقة المركز السوري لبحوث السياسات تحت عنوان (سورية.. مواجهة التشظي) لرصد آثار الأزمة السورية خلال عام 2015 والذي تضمن معلومات وبيانات جديدة وصادمة، ربما نعيشها، لكننا لا نتوقع وصولها إلى ما أورده التقرير، خاصة عند تناولها بصورة شاملة ومتكاملة.

قدر التقرير حجم الخسائر الاقتصادية منذ بداية الأزمة حتى نهاية 2015 بنحو 254,7 مليار دولار أمريكي، وحجم خسارة الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ  163,3 مليار دولار أمريكي، و تراجع الاستهلاك العام في عام 2015 بنسبة 33,1% عن عام 2014 وتراجع حصته من الناتج المحلي الإجمالي من  46,5% في عام 2013 إلى 31,6% في عام 2015.

كما تراجع الاستثمار الخاص في عام 2015 بنسبة 5% مقارنة بعام ،2014 ليشكل مع الاستثمار العام ما نسبته 9,2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك انخفضت الصادرات في عام 2015 بنسبة 20% و انكمشت الواردات بنسبة 29% مقارنة بما كانت عليه عام 2014 وذلك بسبب التراجع في الطلب الفعال، إضافة إلى الانخفاض الكبير في قيمة العملة المحلية، ومع ذلك بقي العجز التجاري ضخماً في عام 2015 إذ بلغ 27,6% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي وضع الاقتصاد السوري في حالة من الانكشاف واستهلاك للاحتياطيات الأجنبية، وبالتالي تراكم عبء الديون الملقاة على كاهل الأجيال القادمة.

على الجانب الاجتماعي يشير التقرير إلى ارتفاع معدل البطالة من 14,9% في عام 2011 إلى 52,9% في نهاية عام 2015 فبلغ عدد العاطلين عن العمل 2,91 مليون شخص، منهم 2,7 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة. كما اضطر نحو 45% من السكان إلى مغادرة أماكن سكنهم بحثاً عن الأمان أو الظروف المعيشية الأفضل في أماكن أخرى.

و مع نهاية عام 2015 بلغ عدد النازحين داخلياً نحو 6,36 ملايين نسمة، ويقدر عدد اللاجئين الذين غادروا البلاد بنحو 3,11 ملايين شخص، كما هاجر منها نحو 1,17 مليون. ويقدر التقرير معدل الفقر العام بنحو 8,85 % عام 2015 مقارنة بنحو 5,83 % عام ،2014 كما بلغت نسبة من يعيشون في فقر شديد 69,3% من السكان، وهم غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية. كما بات نحو 35% من السكان يعيشون في فقر مدقع، غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية. ويتفاوت مستوى الفقر بين المحافظات ويزداد الوضع سوءاً في مناطق النزاع والمناطق المحاصرة. كما أشار التقرير إلى وصول نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي من إجمالي عدد الأطفال في هذه الفئة العمرية إلى 45,2% خلال العام الدراسي 2015-2016.

الأرقام والنتائج التي توصل إليها التقرير تقدم صورة صادمة للواقع الاقتصادي والاجتماعي الراهن في سورية، قد يقبلها أو يتحفظ عليها جزئياً او كلياً هذا الطرف أو ذاك، وهي تتطلب مناقشة علمية ومسؤولة، بما في ذلك منهجية البحث والتحليل التي تم اتباعها، ومن ثم الحوار حول رؤية توافقية لما يجب القيام به لوقف المزيد من التدهور في هذه المؤشرات، وتحويل الأزمة إلى فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري وفق نموذج تنموي جديد يحقق تطلعات السوريين في نظام تعددي ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة في ظل وطن واحد.

العدد 1105 - 01/5/2024