اقتصاديات جديدة للنفط (1-3)

 شارك سبنسر ديل (وهو يعمل رئيساً لمجموعة اقتصادية في شركة بريتيش بتروليوم) ببحث حمل هذا العنوان ألقاه في المؤتمر السنوي لجمعية اقتصاديّي الأعمال في لندن بتاريخ 3 تشرين الثاني ،2015 وقد أشار فيه إلى أن الاقتصاديين عندما يواجهون أسئلة تتعلق بأحوال السوق النفطية وأسعار النفط، يعودون إلى المبادئ الأساسية والمفاهيم التي يعتقدون أنها تشكل أساس العمل في السوق النفطية.

وتستند تلك المفاهيم إلى أربعة مبادئ أساسية:

أن النفط مصدر طاقة ناضب: كلما أصبح أكثر ندرة يرجح أن يزداد سعره مع الزمن، مقارنة بأسعار المواد والخدمات الأخرى غير الناضبة. والمرجع الكلاسيكي هنا هو بوضوح قاعدة هوتلينغ التي تعالج مصادر النفط كأصول مالية، بحيث (في أبسط حالة) سيزداد السعر النسبي للنفط بالتوازي مع معدل الفائدة الحقيقي.

أن منحنيات الطلب والعرض النفطية حادة: أي أن الأسعار بطيئة الاستجابة لما يطرأ من تغيرات. من ناحية الطلب، بسبب وجود بدائل قليلة عن النفط، وخاصة في المدى القريب. ومن ناحية العرض، لأنه حالما استثمرت شركة نفطية أموالاً ضخمة في بناء منصة تشغيل وبدأ النفط يتدفق، يصبح الإمداد من عمليات التشغيل غير حساس للتذبذبات في الأسعار.

تدفق النفط من الشرق نحو الغرب: النفط يُنتج في الشرق الأوسط ويتدفق إلى أوربا وأمريكا. أما الأموال فتتدفق بالاتجاه المعاكس. وذلك يقود إلى مسائل معروفة جداً ترتبط بالبترودولار والعملات النفطية.

تعمل الأوبك على استقرار السوق النفطية: على سبيل المثال: في عام 2009 حين كان الاقتصاد العالمي يمر بحالة تراجع عميق، وأسعار النفط تنهار من 145 إلى 35 دولاراً للبرميل، خفّضت الأوبك إنتاجها نحو 3 ملايين برميل يومياً للمساعدة في استقرار الأسعار. وعلى نحو مماثل، زادت الأوبك إنتاجها بشكل كبير في عام 2004 حين ازداد الطلب العالمي فجأة.

يشير الباحث إلى أن السوق النفطية تغيرت بشكل كبير خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخيرة. وأصبحنا بحاجة إلى مجموعة مبادئ محدّثة تعكس اقتصاديات النفط الجديدة.

كان لتغيرين اثنين بشكل خاص أثر عميق في اقتصاديات السوق النفطية:

التغير الأول: ثورة (الشيل الأمريكي) والنمو السريع في إنتاج النفط من المناطق البرية في الولايات المتحدة باستخدام تقنيات التشقيق الهيدروليكي لاستخراج النفط من الشيل والصخور الكتيمة الأخرى.

التغير الأساسي الثاني: ويحصل بشكل أكثر بطئاً، ويأتي من الاهتمامات التي تزداد حول انبعاثات غاز ثاني أكسيد الفحم وتغير المناخ. وقد ازداد اهتمام العالم بها وبشكل خاص في هذا العام مع انعقاد محادثات ومؤتمر باريس في مطلع شهر كانون الأول 2015. إذا ترجم هذا الاهتمام إلى سياسات فسوف يكون له آثار هامة على الطلب على جميع أنواع الوقود الأحفوري في المدى البعيد.

لقد ازداد إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة منذ البداية في عام 2010 ليصل إلى نحو 5,4 ملايين برميل في اليوم حالياً. وتشير معظم التقديرات إلى أن تكاليف إنتاج غالبية النفط الصخري الأمريكي تقع ما بين 70 إلى 75 دولاراً للبرميل.

ويرى الباحث أنه رغم أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي يُشكل نسبة أقل من 5 بالمئة من السوق النفطية العالمية، إلا أن النمو السريع لهذا النوع من النفط كان العامل الرئيسي في هبوط أسعار النفط الخام في عام 2014. لقد ازداد إنتاج النفط في الولايات المتحدة بنحو ضعف زيادة الطلب العالمي على النفط تقريباً، أضف إلى ذلك أن طرق الإنتاج المختلفة وهيكليات التمويل التي تأسست في صناعة (الشيل الأمريكي) لها الإمكانية في التأثير الدائم على آليات سوق النفط العالمية.

ويستنتج أن العوامل والقوى الفاعلة في السوق النفطية في يومنا هذا تختلف عن تلك التي كانت قبل عشرين أو حتى عشر سنوات مضت، ويقترح بالتالي تحديث وسائلنا التحليلية كي نفهم سوق النفط اليوم، ونفهم اقتصاديات النفط الجديدة.

ويدعو إلى مراجعه المبادئ الأربعة التي سبق عرضها وبيان مدى تأثرها بالتطورات الحديثة.

– النفط مصدر ناضب: لا تسمح قاعدة هوتلينغ في أبسط أشكالها بإمكانية معرفة ما يحتمل إنتاجه من اكتشافات جديدة في خزان نفطي معين أو موثوقية تلك التقديرات بحيث تفترض هذه القاعدة أن المخزون الكلي لمصادر النفط القابل للإنتاج معروف، وان التركيز الرئيسي هو على الخطوات المثلى التي يجب السير بها لاستنضاب تلك المصادر.

ولكن، في الممارسة العملية، فإن تقديرات مصادر النفط القابلة للإنتاج هي في زيادة دوماً، وذلك بسبب تحقيق اكتشافات جديدة، والتطور التكنولوجي، والأكثر أهمية هو أنها تزداد بسرعة أكبر بكثير من استهلاك الاحتياطيات الموجودة.

لكن ما تغير في السنوات الأخيرة هو الاعتراف المتزايد فيما يخص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الفحم والتغير المناخي، الأمر الذي يعني أنه من غير المرجح أن احتياطيات النفط في العالم لن تستنضب أبداً.

إذا استخدمت احتياطيات الوقود الأحفوري المعروفة، أي النفط والغاز والفحم الحجري بكاملها، فسوف تؤدي إلى انبعاث ما يزيد على 8,2 تريليون طن من غاز ثاني أكسيد الفحم، وهي أكثر من الكمية التي تعتبرها المؤسسات العلمية حدودَ زيادةِ معدل درجات الحرارة العالمية بما لا يزيد على درجتين مئويتين، والبالغة نحو 1 تريليون طن.

ولما كان الفحم الحجري هو أكثر وقود يحوي غاز ثاني أكسيد الفحم، إذ يشكل حرق الاحتياطيات الحالية منه 60 بالمئة من الانبعاثات، فإن الفحم الحجري سيتأثر بسياسات المناخ المستقبلية مقارنة بالغاز والفحم.

ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك فإن الخطا الحثيثة التي تزداد فيها تقديرات احتياطيات النفط القابلة للإنتاج، إضافة إلى الاهتمام المتصاعد حول البيئة، يعني أنه يبدو من غير المرجح أن جميع احتياطيات النفط العالمية سوف تستهلك.

ويستنتج الباحث أنه لم يعد هنالك سبب قوي كي نتوقع أن السعر النسبي للنفط سوف يزداد مع الزمن، بل سيتوقف سعر النفط على تحركات العرض والطلب مثل غيره من السلع والخدمات.

من ناحية العرض: الصناعة النفطية، تبتكر باستمرار وتطبق تقنيات وطرقاً حديثة. وقد تمثلت تلك الإنجازات في السنوات الأخيرة بصناعة (الشيل الأمريكي). فقد سمحت تقنيات الحفر الحديثة والتحسينات الكبيرة في كفاءة التكلفة باستخلاص مصادر نفطية كانت تعتبر سابقاً غير اقتصادية، إذ كان الربح في إنتاجية صناعة (الشيل الأمريكي) مدهشاً، فقد بلغ نمو الإنتاجية كما يقاس بالإنتاج الأولي / لكل حفارة، 30 بالمئة سنوياً وسطياً خلال الفترة ما بين 2007 و2014.

تضع معرفة أن مصادر النفط لن تكون ناضبة تركيزاً أكبر على الأرجح على مستقبل توجهات الإنتاجية عند تقدير النظرة المستقبلية البعيدة المدى لأسعار النفط الخام.

إن النقطة الأساسية هنا هي أن طبيعة التشقيق الهيدروليكي هي طريقة شبيهة بعملية التصنيع، وهذا يؤدي إلى تحقيق مكتسبات قوية في الإنتاجية.

ويشير إلى أن المسألة الرئيسية هنا هي فيما إذا كان بالإمكان تكرار هذه النماذج. يمكن تطبيق العمليات النموذجية خارج الولايات المتحدة، وبنماذج إنتاج أكثر تقليدية. هل يمكن تطبيق عمليات التصنيع المرنة على عمليات النفط التقليدية؟

*****

هيثم غانم

(*) جيولوجي وباحث في اقتصاديات النفط

العدد 1107 - 22/5/2024