التشاركية ما بين الضرورة وإعادة الثقة

 استمراراً لندوات الملتقى الاقتصادي الحواري الرابع، عقدت جمعية العلوم الاقتصادية فرع اللاذقية ندوتها الثالثة بعنوان (التشاركية ما بين الضرورة وإعادة الثقة). بدأ الدكتور سنان علي ديب رئيس فرع الجمعية، الحديث منطلقاً من حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوري نتيجة الأزمة الكارثية والتي قلما يستطيع بلد تحمل تبعاتها، فقد قدرت الخسائر بنحو 255 مليار دولار حسب تقرير المركز السوري لبحوث السياسات، بينما قدرت بنحو 685 مليار دولار حسب دراسة أسترالية، وإن لم تحلّ الأزمة ستصل إلى نحو 1300مليار بحلول 2020.

هذا الواقع فرض ضرورة تضامن جميع الجهود وتكافلها للنهوض وللعودة بالاقتصاد السوري ومعالجة الأمراض الاجتماعية الناجمة، ولكن الحاجة لا تعني تمرير أي مشروع أو الرضوخ للإملاءات الدولية لسلب السيادة، وهي التي عجزت عن ذلك قبل الأزمة رغم المحاولات الحثيثة عبر مشاريع يطلق عليها تشاركية، وبالمحصلة هي تكريس للخصخصة أو إفادة البعض من مؤسسات الدولة وأموال الشعب، كما حصل بمحطتي الحاويات ومعمل أسمنت طرطوس وبعض المرافق الخدمية بالمطارات، فقد كانت عقود إذعان لقطاعات سهلة الإصلاح ولم تزد أي طاقة إنتاجية أو عمالية، ولم تكن البلد وفق المؤشرات الاقتصادية الكلية بحاجة إلى هذا النوع من التعاون، وإنما كان يمكن لهؤلاء لو أنهم جادون أن يقيموا مشاريع تضيف طاقات ذات مردودية وطنية، ولكن الأهم كان لدى القيادات الاقتصادية هو الانقلاب الجذري بالنهج الاقتصادي، وهو ما كان مدخلاً اقتصادياً اجتماعياً لأزمتنا، والآن تغيرت الأمور وزادت الحاجة ولكن يجب ان تكون ضمن إطار برامج أولوية لنوع المشاريع بما يضمن حقوق البلد والشعب وخاصة النازحين، ويضمن أولوية المال الوطني وقيادة القطاع العام وأموال المغتربين. وأن تفعّل تشاركية المنظمات الشعبية والاتحادات مع الدولة، ثم الأموال الأجنبية لدول لا تبغي السيطرة السياسية وعبر أقنية لا تكون قد سببت الأزمة أو تاجرت بالدماء. وأضاف: كل ذلك يستلزم دولة مؤسسات قوية قادرة على فرض الانضباطية وسيطرة القانون، ثم تحدث عبد الرزاق الدرجي (تجدون مداخلته في الصفحة الاقتصادية).

السيدة مها خزام عبرت عن نظرة سلبية إلى ما قامت بها حكومة العطري- الدردري وما يليها بمواضيع تحت مسمى التشاركية والغاية منها وفاعليتها عكس ذلك. وبعدها تكلم السيد نجدت علي عن ضرورة وجود أحزاب وهيئات رقابية فاعلة لمشاريع التشاركية. ورأى السيد بولس سركو أن ما قامت به الحكومة قبل الأزمة لم يكن تشاركية وإنما تنفيذ لمقررات مؤتمر واشنطن. وقال السيد نديم شامدين بأن التشاركية بحاجة لثقافة يفتقدها المجتمع ولضوابط ولأفاق مستقبلية.

وختم الدكتور سنان بأن الهمّ الآن هو إعادة الانضباطية الاجتماعية وفرض سلطة القانون على الجميع، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بإعادة دور المؤسسات وفصل السلطات، فالموضوع بحاجة إلى سرعة اتخاذ القرارات ووطنيتها وسيادتها، وإن الحاجة لا تعني الرضوخ لمن شارك فيما وصلنا إليه لنكافئه على حساب الدم السوري الغالي. وأخيراً الملتقى بانتظار الندوة التالية بعنوان (العولمة والحاجات الإنسانية) ودعوة الشخصيات التقنية البناءة لحوار هادف.

 الدرجي: نؤيد التشاركية مع القطاع الخاص المنتج لكننا ضد الخصخصة

 قدم الرفيق عبد الرزاق الدرجي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد المداخلة التالية:

قبل الحديث عن التشاركية، لابد من إعطاء مدلول واضح عن مفهوم التشاركية. التشاركية من حيث الماهية هي اتفاق بين طرفين لإنتاج سلعة أو تقديم خدمة، تحدّد فيه الحقوق والالتزامات المترتبة على كل طرف من الأطراف موضوع التشاركية. والتشاركية قد تكون بين فرد وفرد، أو مجموعة أفراد فيما بينهم، وبين شركة وشركة أو بين أفراد والحكومة، أو بين حكومة وحكومة خرى أو مجموعة حكومات. وقديماً استخدمت الدول الاستعمارية نوعاً من التشاركية عبر عقود إذعان بين الشركات متعددة الجنسيات وحكومات البلدان النامية، تكون فيها معظم الحقوق للدول الاستعمارية وشركاتها، على حساب شعوب البلدان المستعمرة أو المستقلة حديثاً.

مثال ذلك العقود النفطية بين شركات النفط ومعظم الدول المنتجة للنفط أو الغاز. جوهر هذه العقود هو إدامة الهيمنة الاستعمارية على هذه الشعوب وإبقاؤها تحت رحمة هذه الشركات، وإبقاء الدول حديثة الاستقلال تحت السيطرة وسوقاً لتصريف منتجات الشركات الاستعمارية. والآن في ظروف بلادنا سورية والأزمة التي تمر بها والحصار الظالم الذي فرضته الدوائر الغربية وبعض الدول العربية، وأعمال التدمير الممنهج التي قامت بها المنظمات الإرهابية للبنى التحتية للاقتصاد السوري.. يطرح السؤال: هل نحن بحاجة إلى التشاركية؟ وأي نوع من التشاركية نريد؟ ومع من؟

إن الجواب البديهي للسؤال الأول، ونتيجة للظروف التي تمر بها بلادنا يكون: نعم، نحن بحاجة إلى التشاركية من أجل إعادة الإعمار وإنهاض اقتصادنا من ركوده، وعودة القطاعات المنتجة إلى الإنتاج وأداء دورها في التنمية الشاملة والمستدامة والمتوازنة، لأن هذه المهام الكبرى أمام بلادنا وشعبنا لا تستطيع الدولة بمفردها القيام بذلك.

نأتي إلى السؤال الثاني: أي نوع من التشاركية نريد؟ ومع من؟

إن التشاركية التي نرغب فيها ونعمل لها هي التشاركية على المستوى المحلي مع القطاع الخاص المنتج، وعلى المستوى الدولي مع الدول الصديقة التي وقفت بصدق مع شعبنا وبلادنا في محنته هذه.. إلا أننا في الوقت نفسه نؤكد ضرورة سيادة الدولة على المرافق الحيوية، والحفاظ على ملكيتها وإدارتها باعتبارها تمس أمن الوطن والسيادة الوطنية من جهة، وضمانة لحصول الطبقات الفقيرة على الخدمات التي تؤديها هذه المرافق بأسعار مدعومة حكومياً، كالمرافئ والمطارات والكهرباء والماء والنفط والاتصالات، من جهة أخرى.

-نحن نؤيد التشاركية مع القطاع الخاص المنتج، ولكننا في الوقت نفسه ضد الخصخصة، ولهذا ندعو إلى إصلاح القطاع العام الصناعي وتذليل كل معوقاته، لإعادة انطلاقته من جديد.

-نحن مع تطوير الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، وتأمين الغذاء لشعبنا، فالصناعة والزراعة هما قاطرتا النمو.

-نحن نؤيد التشاركية مع القطاع الخاص المنتج، وليس مع القطاع الخاص الريعي الذي وظّف أمواله سابقاً في المضاربات بتجارة الأراضي والبنوك وشركات التأمين وشراء السيارات الفارهة التي شكلت عبئاً على الاقتصاد الوطني.

إن عملية إعادة الإعمار والبناء تتطلب جهود كل المخلصين من أبناء شعبنا، فالشعب الذي صمد وقدم التضحيات الجسام عبر هذه السنوات، يستحق منا كل تقدير وجهد وعمل لتجاوز هذه المحنة، والوقوف بحزم ضد حيتان الأزمة وضد الفساد بكل أشكاله وصوره، وفاء لشهداء وطننا، وفاء لتاريخ وطننا الغالي سورية.

العدد 1107 - 22/5/2024