الأوهام العثمانية والمصالح الدولية

الخارطة السياسية لتركيا الحديثة قد تشهد تغيرات جوهرية بعد أن ذهبت أنقرة بعيداً في دعمها للتنظيمات المصنفة إرهابية حسب تعريف الأمم المتحدة… فالتكتيكات التي اتبعها العثمانيون الجدد في سبيل إحكام سيطرتهم على زمام الأمور في أنقرة كي يتمكنوا من إعادة إحياء (إمبراطورية طوران) قد وضعت تركيا في وضع معاكس استراتيجياً مع كل من حلف الناتو وروسيا والصين…كان الهدف بعد الحرب العالمية الأولى جعل تركيا (بجغرافيتها الحالية) حائط سد بوجه الاتحاد السوفيتي، لمنعه من الوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط، ونقطة انطلاق نحو خاصرته الرخوة في القوقاز وصولا  إلى تسديد الطعنة القاتلة له في جمهوريات آسيا الوسطى…

وبعد انتهاء الحرب الباردة فقدت هذه الاستراتيجية فائدتها بسبب تغير طبيعة الحرب وجوهرها، إلا أن العقل السياسي التركي رأى أن الفرصة قد حانت لإعادة إحياء الدولة العثمانية، باللعب على الشعور القومي التركي ومداعبة خيال قطاعات واسعة من شعوب المنطقة، باستثارة الغرائز الطائفية إلى أبعد حدود ممكنة بهدف إعادة هندسة مجتمعات المنطقة بما يخدم أهدافها الاستراتيجية…

في سبيل ذلك استخدمت قوتها الناعمة للتغلغل في النسيج الاجتماعي لدول المنطقة بهدف تأسيس قاعدة لنفوذها مستخدمة تيارات الإسلام السياسي كحصان طروادة كي تتمكن من السيطرة على حكوماتها عندما تحين اللحظة المناسبة. ومع بدء أحداث الخريف العربي وانتشار الموت والدمار في معظم الدول العربية، بدأ يظهر للعيان الدور التركي المشبوه في تدمير شعوب هذه المنطقة، وقتلها، بعد أن تمرد العثمانيون الجدد على أسيادهم وقرروا أن يضعوا قواعدهم الخاصة للعبة الأمم. هذه القواعد كانت بسيطة للغاية وهي: إما أن تقبلوا بنا كأسياد جدد لهذه الجغرافيا وأما ستحترقون بنار الإرهاب وستنزلقون رويداً رويداً نحو حربٍ دينية.

لكن الذي لم يعه جيداً الحالم بعرش اسطنبول يرى أن هذه المنطقة هي نقطة التقاء مصالح دولية من غير الممكن تركها للذئب التركي يصول ويجول فيها بلا حسيب أو رقيب… وإنه بعمله هذا قد جعل الأهمية الاستراتيجية لبلاده تفقد أهميتها، وما هي إلا فترة زمنية قد تطول أو تقصر حتى تكون خارطة تركيا قد وضعت على طاولة راسمي الخرائط كي يعاد تشكيلها.

العدد 1105 - 01/5/2024