المجتمع المدني والاقتصاد في ندوة باللاذقية

 أقامت جمعية العلوم الاقتصادية فرع اللاذقية، ضمن ملتقاها الحواري الاقتصادي الرابع، ندوتها الخامسة بعنوان (المجتمع المدني والاقتصاد). وبعد الوقوف دقيقة صمت إكراماً للدم السوري الطاهر، تكلم رئيس الجمعية الدكتور سنان علي ديب عن مفهوم المجتمع المدني التطوعي غير الربحي المشارك في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مساعداً للحكومة في العملية التنموية، وأن هذا المجتمع يتناسب مع طبيعة النظام السياسي، ففي المجتمعات الاشتراكية يخفّ دوره، لأن الحكومة تقوم بالواجبات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والخدمات المختلفة، أما في المجتمعات الرأسمالية فدوره كبير وشامل أغلب المجالات، وزادت الأجندة الترويجية له في منتصف الثمانينات ولكن لا ليكون مساعداً تنموياً، وإنما لاختراق البنى وفرض اللبرلة على البلدان لزعزعة الاستقرار وسحب دور الحكومة من مجالات محددة، وكانت الحجة الترويجية لهم: الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي من أكبر كذب القرن الحديث لسبب أن من يروّجون لهذين المصطلحين هم سبب الحروب والقتل وأكثر من يقطع أي تطور ديمقراطي، وأغلب من يعمل معهم هم جامعو معلومات ومضللو أحداث ومضخمو كوارث مقابل بعض الأموال، ولكن هذا لا يعني أن كل المجتمع المدني سلبي ولكن ما يحاول ترويجه الغرب يقع ضمن هذا الوصف، فخلال الأزمة السورية كان لكثير من المنظمات دور مساعد وتطوعي مثمر وإن كان لجزء آخر آثار سلبية.

إن هيكلية منظمات المجتمع المدني موجودة ببلدنا ولكن كانت مسيّرة من قبل الحكومة، وفي هذه الفترة جزء كبير حُرف عن مساره وفاعليته كنقابة العمال التي مررت القانون ،17 واتحاد الفلاحين الذي سحبت أمام نظره أغلب الامتيازات التي حققتها الحكومة لفلاحنا فوصلنا للأمن الغذائي، ولكن في الظروف الحالية نحن بحاجة إلى جهود كل القوى والمنظمات لإرساء الحل وتحقيق الانطلاقة الجيدة، ولا يتحقق ذلك من دون قوننة ومتابعة ومراقبة لهذه المنظمات وزيادة فاعليتها وانتشارها عبر ترويج ثقافة التطوع والإبداع الشخصي والعمل الجماعي، ولهذه المنظمات مردود اقتصادي وتنموي ويلاحظ ولوج العنصر النسائي فيها بكثرة، وكذلك نشاطها لتنمية الموارد البشرية وتوطين التقنيات والمساهمة بالصناعات الحرفية والصغيرة.

 ثم تكلم السيد عبد الرزاق الدرجي عن تاريخية هذه المنظمات،  وتطرق إلى النقابية السياسية التي أدت لعزوف العمال عن النقابات، وأكد أنه يجب الالتفات لهذه المنظمات وقوننتها لقطع الطريق على الأهداف الغربية الإمبريالية، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال قانون عصري ديمقراطي يضبط هذه المنظمات وينظمها ويحيط بالفساد الحاصل فيها. ثم قدم السيد نجدت علي ورقة عمل حول ضرورة استقلالية هذه المنظمات وفصل بعض المنظمات القائمة عن سيطرة الأجهزة الحكومية، ومنها هيئة مكافحة البطالة وفق تشكيلات إدارية هابطة لأصغر وحدة إدارية، هدف هذه الوحدات جمع التبرعات لتأمين فرص عمل عن طريق إقامة مشاريع تنموية مساندة وداعمة لمشاريع القطاع العام كمعامل الكونسروة أو صناعات صغيرة تحقق فرص عمل وأرباحها توجه لدعم العاطلين ومنحهم بعض الامتيازات، وضرورة تشجيع الشركات المساهمة الجامعة لجهود الآلاف للتصدي لمشاريع كبيرة وذات مردودية عالية، وكذلك تكلم عن ضرورة توجيه الزكاة وثمن الأضاحي إلى مشاريع كهذه بدلاً من البذخ والإسراف والهدر.

النقابي السابق علي ريا تكلم عن ضرورة وجود النقابات المطلبية وبعدها عن السياسية التي فرضتها طبيعة النظام الاشتراكي، وأشار إلى قانون الضمان والتأمين لعام  1959 الذي كانت آخر مادة فيه راتب للعاطلين عن العمل ويعمل به بعد سنتين من إقراره، وأن جوهر الموضوع والبعد عن أهدافه تشريعي بحت وتوجيهي لا تدخلي.  

الآنسة ماريا قبارو تكلمت عن ضرورة وجود هذه المنظمات من دون تدخل الدولة ولا منظمات الدولة، وأننا لم نستطع مواكبة العولمة وأدوات الإنتاج ما أدى لتصحر في الحياة العامة وفقدان الحوامل الاجتماعية والمدنية وتقديم البدائل السياسية.

 السيد هلال كيوان قال إن المجتمع المدني يجب أن يراعي المصطلحات التالية: تنظيم، إدراك، وعي. وبيّن السيد نديم شامدين أن أهم مشاكل المجتمع المدني هي التسيس، فيجب عدم تسييس الرياضة أو الفن أو الدين، وتذكر المجتمع الأهلي الريفي في الأفراح والأتراح وأوقات الحصاد والكوارث والزراعة وهي أقرب للمجتمع المدني وأكثر فاعلية، وأضاف أن المجتمع المدني الحالي كارثي يختزل بنموذجين: نشاط لـ(ناس عاطلة)، أو (ناس تابعة لناس فاسدة معرقلة)، وبهذا ضيعنا وشوهنا كل شيء. وتكلم عن نموذج بنّاء لرجل دين ببانياس أمّن فرص عمل لـ65 شخصاً ووفر على المواطنين تكاليف كثيرة،  وأن جزءاً مما نحن عليه بسبب المزاج وعدم حب العمل وإنما انتظار المعونات، ويجب التوجه للاستثمار بدلاً من المعونات.

 السيد سهيل يونس قال بأن المجتمع المدني آلية اختراق للدولة بالهدف ولسلطتها وللنظام الإداري، وأن المجتمع المدني مسيّس لخرق النظام القوي وفرض النماذج الغربية، وأن القيادة تخف عندما تتعدد القيادات وأهدافها، وأن الغرب اهتم بالإنسان لأنه منتج، وذكّر بنماذج الصين وكوريا والاتحاد السوفيتي وكيفية تحقيق الأشياء بأرخص التكاليف

 السيد بولس سركو تكلم عن تجاهل الدولة وتجاوزها والتعامل معها كعدو وهو مصطلح أمريكي من قبل الرأسمالية،  وفي المحنة السورية كان لرموز من يدعي المجتمع المدني وهم أدوات إمبريالية واستعمارية كمنظمات حقوق إنسان ومراصد إنسانية ومراصد إعلامية ومدعومة من قبل تنظيمات إرهابية.

ثم تكلم السيد نهاد بدور عن دور هذه المنظمات في ظل الأزمات وضعف سيطرة الدولة وحاجة المواطن لخدماتها وبأن جزءاً منها جاء لملء الفراغ،  ثم ختم الدكتور سنان باننا يجب الغربلة والعقلانية في نقل التجارب، وتفريغ الغايات والمشاريع الغربية بالقوننة والمتابعة ووضع البرامج والحاجات، وهذا بحاجة إلى دولة مؤسسات ضابطة وفاعلة وحامية للقوانين، قادرة على وضع قانون لتنظيم هذه المنظمات والاستفادة منها قدر المستطاع، ومواجهة المرتبط منها والهادف لزعزعة الاستقرار وتشويه الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،  ويكفي أن نعرف أن العلاقة قوية وشفافة بين البنك الدولي وهذه المنظمات، وأغلب معلوماته التي يبني عليها القرارات عبر أدوات هذه المنظمات، وكلنا يعرف غاية هذا البنك وماذا فعل لفرض سياسته. ودعا المشاركين للندوة القادمة بعنوان (إعادة البناء والإعمار).

العدد 1105 - 01/5/2024