سوق العمل بلا وزارة!…التجريب يعيد دمج الشؤون الاجتماعية والعمل

 أعيدت وزارة العمل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، بموجب التشكيل الحكومي الأخير. دُمجت الوزارتان مرة أخرى، عقب فكّ الارتباط بينهما في شباط ،2013 وفصلهما إحداهما عن الأخرى، لضرورات العمل، وللظروف الاقتصادية السائدة. والمؤشر الأولي الذي يمكن قراءته من هذا الدمج، مرة ثانية، هو فشل وزارة العمل في التصدي لمشكلة البطالة التي تعدّ العدوّ الأول للاقتصاد، والمعرقل الأبرز للتنمية.

غابت الوزارة التي لكل أسرة سورية مصلحةً في وجودها، ولكل باحث عن العمل عنوان يطرقه، ولكل ربّ عمل جهة رسمية يرجع إليها لتأمين احتياجاته. ففي فصل الوزارتين قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، رُسمت بسمة على وجوه السوريين الباحثين عن فرص عمل، وعلى وجوه العاملين لتطوير القوانين البائدة الخاضعين لها، والآن بدمجهما اختفت البسمة التي لم تكتمل. إنه التجريب الذي دفع اقتصادنا ثمنه الكبير، ولا نزال نعتمده طريقاً إصلاحياً.

تعاقب على وزارة العمل وزيران فقط: حسن حجازي في شباط ،2013 وخلف العبدالله من آب 2014 إلى تموز ،2016 حين أعيدت الوزارة إلى حاضنتها الأساسية وزارة الشؤون الاجتماعية، ولم يتغير شيء في سوق العمل، بوجود وزارة متخصصة بهذا الشأن من عدمه. ولا نعتقد أن الهدف الرئيس من دمج وزارتي الشؤون والعمل، هو اختصار عدد الوزارات من أجل حكومة مصغرة، فحكومة عماد خميس تضم 31 وزيراً، بينما الحكومة السابقة ضمت 34 وزيراً، وهو الرقم ذاته تقريباً في الحكومات السابقة.

ومع إلغاء فصل الوزارتين المذكورتين، تثار أسئلة حول هذا الإجراء؟ ومدى صوابيته؟ وهل البلاد، ضمن الظروف العامة التي تخضع لها، لا تحتاج إلى وزارة عمل؟ إذ لم يك أداء وزارة العمل كما نشتهي، فلا هي قادرة على تنظيم سوق العمل، كما أنها عاجزة عن خلق فرص عمل جديدة. فيما معظم المشاريع التي اقتُرحت سابقاً لمعالجة البطالة، حالفها الفشل، كهيئة مكافحة البطالة، ومكاتب التشغيل. لكن فشل أداء وزارة العمل، أياً كانت أسبابه، لا تتطلب دمجها مع الشؤون، فهذه الأخيرة ثمة أسئلة كثيرة حول أدائها، وما قدمته، وما يمكن أن تقدمه؟ فضلاً عن الفساد في ملف الإغاثة، من حقبة الوزيرة السابقة. السؤال: هل سورية بحاجة إلى وزارة عمل منفصلة؟

إن ما قامت به هذه الوزارة خلال السنوات الماضية لا يرقى إلى إمكانات وزارة، ولا يصل إلى مصاف اليد العاملة الماهرة بمختلف الاختصاصات، والمراتب الوظيفية، وطموحاتها في الحصول على عمل يتناسب مع قدراتها.

لم يكن الاقتصاد السوري قادراً على استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، والمقدّرين بنحو 250 ألفاً سنوياً. وفي الوقت عينه، لم يستفد من الطاقة البشرية المتوفرة، ولم يسعَ المخطّطون لهذا الاقتصاد من أجل فتح أسواق لهذه اليد العاملة، لتجد فرصة عملها المناسبة، وتحفظ حقوقها كاملة. بل ترُكت وحيدة، تبحث عن فرصة عمل، وإن وجدتها، تكون بشروط إذعانية. كان من الممكن أن تمارس وزارة العمل دوراً محورياً في تنظيم سوق العمل، وتصدّر عمالة إلى الخارج، بدلاً من ترسيخ حالة هروب العمالة.

يعدّ ملف العمل في سورية من أعقد الملفات الاقتصادية، وظل القطاع الخاص هو القوة الضاربة في مجال العمالة، لكنه بدّد هذه القوة لعدم التزامه بالشروط القانونية لتسجيل العمالة في التأمينات، وغياب الرغبة لديه في تنظيم عقود العمل. قبل الحرب، بلغت قوة العمل السورية نحو خمسة ملايين شخص، منها مليون ونصف مليون في القطاع العام، حاصلين على حقوقهم كاملة، فيما البقية الساحقة مسجّلون عاطلين عن العمل، ولم تستطع وزارة العمل معالجة ملفّهم بالتعاون مع الجهات النقابية وعلى رأسها اتحاد نقابات العمال.

خيّب الآمال غياب وزارة العمل عن التشكيلة الحكومية الجديدة، فالطاقة البشرية المهدورة، لاسيما الشابة منها، تحتاج إلى اهتمام، وإلى خطط للاستفادة منها، واستثمارها بالشكل الأفضل. إذ إن ملفّ العمل ملفّ وطني بامتياز، ومن خلاله يتمكن الاقتصاد السوري من تجاوز عقبات معدل النمو السلبي. و نعتقد أن حكومة خميس ترسم خُطا فشلها الحتمي في حال تجاهلت قضية العمل، وتركت مشكلة البطالة التي تجاوزت 50% على حالها، ولم تأخذها بعين الاعتبار.

عادت وزارة العمل إلى أحضان وزارة الشؤون كالابن الضال، حاملة فشلها على أكتافها. إذ لم تستطع أن تحدث فرقاً في الحياة الاقتصادية، أو في قضية العمل، التي يعاني منها الاقتصاد السوري منذ ربع قرن. وزارة العمل كانت تشبه البيت لكل السوريين، وهؤلاء المصدومون من غياب الوزارة عن شؤونهم، تبقى صدمتهم أكبر لأن هذه الوزارة لم ترسم لهم خطاً مستقيماً للحصول على فرصة عمل، ولم تشعل لهم شمعة في هذا الظلام الدامس الذي يخيم عليهم.

العدد 1104 - 24/4/2024