السعادة البعيدة…البعيدة

من ضمن آلاف الأقوال والحكم والأسئلة التي صادفتني خلال قراءاتي عن السعادة سؤال بسيط وعميق: لماذا يحزن الطيبون أكثر من غيرهم؟

الحزن ليس معادلاً للسعادة، لكنه أحد حالاته العكسية، الحزن شعور، والسعادة حالة… لكن هل يمكن لإنسان حزين أن يكون سعيداً؟

أي أن السؤال يمكن أن يصبح ببساطة: لماذا يسعد اللئام أكثر من غيرهم؟!

وهو سؤال نابع من أن الطيبين يضحّون بما يتاح لهم من راحة بال وسعادة من أجل هدف نبيل، فيما اللئام يضحون بالعالم كله وبالمثل والأخلاق، من أجل أن يشبعوا أنانيّتهم ويعيشوا بسعادة.

السعادة هي التقاط اللحظة أو النقطة التي يكون فيها الداخل (الروح) منسجماً مع الخارج (الجسد)، منسجماً أي متناغماً من حيث الرغبات والإمكانات والوسائل، ومحاولة أن تصبح هذه اللحظة عمراً، هذا العمر الذي يمكن أن يمتد لسنين طوال أو لأيام ربما.

السعادة هي الحب بكل ما يحمله هذان (الحرفان) من أفق ومدى مفتوح للحياة.

لذا لا أعتقد أن سعادة إنسان حاقد أو لئيم أو شره للمال أو الجنس أو الرفاهية هي سعادة حقيقية، إنها سعادة جسد فحسب، وهي تقبع على هرم من الألم ربما لا يحس به صاحبه إلاّ بعد حين، وقد فات الأوان.

يقول الكاتب الأمريكي ستيف مارابولي (أستاذ العلوم السلوكية الأكاديمية): (السعادة ليست غياب المشاكل، وإنّما القدرة على التعامل مع هذه المشكلات).

إذ لا حياة بلا مشاكل ومنغصات ومتاعب، وربما كوارث ومصائب على المستويين الشخصي والعام، لكن الفارق هنا هو كيف يتعامل الإنسان مع هذه المشاكل؟

إن السعادة هنا هي في إحساسك بأنك اجتزت مرحلة ما في عملك أو دراستك، إن حقق أحد أفراد عائلتك أو أصدقائك نجاحاً في حقل ما، إن تعافى مريضاً وكان لك دوراً، مهما بدا بسيطاً، في خروجه من محنته.

السعادة هي أن تكون لديك رؤية متوازنة للعالم والناس والفعاليات، رؤية تمنحك القدرة على التصرف الصحيح، أو الأقرب إلى الصحة، لتعيش حياة أفضل.

أن يكون الحب مرة أخرى وأخرى رفيقك الدائم، حب الحبيبة، العائلة، الأصدقاء، الناس، حب أعدائك أيضاً.

وحبّ العدو مسألة تحتاج إلى وقفة، الحب هنا يأخذ منحىً آخر، ليس حباً بمعنى الرغبة والقرب، بل بمعنى الشكر على وجوده، إذ إن العدو إن صح التعبير هو مرآة لأخطائك أولاً، ينقب عنها ويعلنها، وهو فضل عظيم. العدو يعطيك صورة عن نفسك أيضاً، حتى يكاد القول (قل لي من عدوّك أقل لك من أنت) يملك الكثير من الصحة والمشروعية.

السعادة هي هذا المزيج من العاطفة الجيّاشة تجاه الناس القريبين والأشياء الجميلة، والعقلانية الهادئة تجاه الناس المختلفين والأشياء المنفرة.

ربما هي كالحب لا يمكن حصرها أو تعريفها، وأي محاولة في التعريف تكون محدودة وناقصة، لكنها محاولة فحسب.

يبقى السؤال الأخير: هل هناك سوري سعيد في هذه السنوات العجاف؟؟

السوريون موزعون بين منفىً قاسٍ أو حصارٍ أقسى أو صمت أثقل من الموت، تتعدد المآلات بين قتيل أو شريد أو هارب أو سجين أو جائع أو خائف…

لكن سعادة الفرد هنا تطل برأسها في حالات إنسانية حقيقية، حين تقدم مساعدة مهما بدت طفيفة لضحايا الحرب والتهجير، حين تنجز عملاً إبداعياً يضيء على حرائق الناس والبلاد، حين تزرع نبتة حياة رغم كل هذا الجحيم.

نعم، هناك سوريّون يعيشون لحظات سعادتهم بين الموت والخراب، حين يرفعون إصبع الحياة في وجه غول الموت.

هي سعادة ناقصة حبيسة خافتة… لكنها سعادة حقيقية وعميقة.

العدد 1107 - 22/5/2024