هل حظوظها أفضل من سابقاتها؟….«مبادرة سلام» فرنسية جديدة!

 (ستقوم فرنسا خلال الأسابيع القادمة بتحركات لتحضير عقد مؤتمر دولي يجمع حول طرفي الصراع شركاءهما الرئيسيين – من الأمريكيين والأوربيين والعرب – وذلك بهدف الحفاظ على حل الدولتين وتأمين نجاحه)… هذا ما أعلنه وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، يوم الجمعة في 29 كانون الثاني الفائت.

وأضاف: (نلاحظ أن الاستيطان يتواصل للأسف…ويجب علينا أن لا نترك حل الدولتين يتبدد؛ إنها مسؤوليتنا بصفتنا عضواً دائماً في مجلس الأمن وقوة سلام… وإذا ما تعطلت هذه المحاولة الأخيرة للتوصل إلى حل، يجب علينا أن نتحمل مسؤولياتنا من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية).

وبحسب مصدر ديبلوماسي فرنسي، فإن فرنسا ترغب في تنظيم انعقاد هذا المؤتمر قبل الصيف القادم. بيد أن الوزير الفرنسي لم يحدد – وهنا بيت القصيد – أسس انعقاد هذا المؤتمر، ولا طبيعة مهمته، علماً بأن نجاح أي مؤتمر دولي في التوصل إلى حل حقيقي للصراع لن يتحقق إلا إذا قام على أساس قرارات الشرعية الدولية، وهدف إلى وضعها موضع التنفيذ. وكان قد سبق صدور تصريح وزير الخارجية الفرنسي هذا قيام الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يوم الثلاثاء في 26 كانون الثاني الفائت، بوصف النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة بـ(الأعمال الاستفزازية) وبكونها (تثير تساؤلات بشأن التزام إسرائيل بحل الدولتين). وأضاف، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط، أن (هذه الأعمال الاستفزازية ستزيد نمو عدد السكان من المستوطنين، وتؤجج التوتر المحتدم وتقوض أي فرص لمسار سياسي في المستقبل)، معتبراً أن (استمرار الأنشطة الاستيطانية إهانة للشعب الفلسطيني وللمجتمع الدولي…وتزيد الإحباط بين الفلسطينيين).

والواقع، أن هذه المبادرة الفرنسية ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها (مبادرات سلام) فرنسية عديدة، لا سيما بعد الإعلان، في نيسان ،2014 عن فشل المفاوضات بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، التي رعاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وبعد تكشّف النتائج المأساوية التي خلفها العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في صيف العام نفسه.

أما القاسم المشترك الذي جمع بين هذه المبادرات، فقد تمثّل، من جهة، في ضرورة الحفاظ على أفق حل الدولتين مفتوحاً، ومن جهة أخرى، في ضرورة تأمين رعاية دولية للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعليه، فقد صارت الدوائر الرسمية الفرنسية تتحدث، منذ نهاية صيف ،2014 عن احتمال الاعتراف بالدولة الفلسطينية (وهو ما فعله البرلمان الفرنسي، في 4 كانون الأول ،2014 في قرار رمزي وغير ملزم لحكومته)، وعن مبادرات لتأمين رعاية دولية للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، من خلال تشكيل (لجنة دعم دولية) أو من خلال عقد مؤتمر دولي، وتلمّح إلى إمكانية قيام الحكومة الفرنسية بتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن، يتضمن معايير حل القضايا الكبرى المتعلقة بالصراع ويضع سقفاً زمنياً لانتهاء المفاوضات. بيد أن مبادرات (السلام) الفرنسية، التي جرى الحديث عنها كثيراً، كانت تصطدم دوماً بالرفض الإسرائيلي واللامبالاة الأمريكية. فهل ستكون حظوظ نجاح هذه (المبادرة) الفرنسية الجديدة أفضل من سابقاتها؟

لقد سارعت حكومة بنيامين نتنياهو إلى رفض هذه المبادرة، معتبرة أنها (ستشجع الطرف الفلسطيني على عدم تقديم تنازلات)!!، ومجددة استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين (من دون شروط مسبقة، ومن دون إملاءات)، بينما اعتبرت أوساط المعارضة الإسرائيلية أن السبيل الوحيد لتفادي الضغط الدولي على إسرائيل، وفرض إملاءات عليها، هو بتقديم مبادرة إسرائيلية (تبقي في يد إسرائيل السيطرة على مستقبلها).

أما الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تتحمس لكل (المبادرات) الفرنسية السابقة، فهي لن تكون مستعدة على الأرجح، في ظل انطلاق حملة الرئاسة الأمريكية وانشغال إدارة أوباما بالحرب على (الإرهاب)، للوقوف في وجه هذا الرفض الإسرائيلي لهذه المبادرة الفرنسية الجديدة. وعليه، فإن حظوظ هذه المبادرة لن تكون بأفضل من سابقاتها. وبغض النظر عن مصيرها، فإنها تكشف، لا سيما إذا ما عُطفت على تصريح بان كي مون المشار إليه أعلاه، تزايد القناعة لدى أطراف دولية فاعلة بالأمور التالية:

أولاً- إن حل الدولتين بات مهدداً بصورة جدية، بفعل استمرار الحكومة الإسرائيلية في سياستها الاستيطانية، وينبغي العمل على إنقاذه.

ثانياً- إن الفشل المتكرر للمفاوضات الثنائية، التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية، طوال أكثر من عشرين عاماً، بات يفرض أن يتشارك المجتمع الدولي في تحمّل عبء هذه المفاوضات.

ثالثاً- إن بقاء هذا الصراع من دون حل سيظل يولد العنف، وسيزيد من حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة وسيؤدي إلى تعزير مواقع الحركات (الإرهابية) فيها.

بيد أن ما لم تدركه هذه الأوساط الدولية إلى اليوم، كما يبدو، هو أن التوصل إلى حل، عادل ودائم، لهذا الصراع، لن يتحقق عبر تكرار طرح مبادرات ستعطلها الحكومة الإسرائيلية، ولا عبر إطلاق تصريحات إدانة لسياستها لن تكترث لها، وإنما سيتحقق عبر طريق واحد هو ممارسة الضغط الدولي الحقيقي، السياسي والاقتصادي، على الحكومة الإسرائيلية لإجبارها على تطبيق قرارات الأمم المتحدة، التي تدعوها لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. وأحد أشكال هذا الضغط السياسي، الذي يمكن للحكومة الفرنسية اللجوء إليه هو المسارعة اليوم، وليس غداً، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو اعتراف ستقدم عليه بعدها بكل تأكيد حكومات دول أوربية عديدة. أما الشعب الفلسطيني فليس أمامه سوى مواصلة مقاومته الشعبية المتعددة الأشكال للاحتلال وسياساته الاستيطانية.

العدد 1105 - 01/5/2024