عز الدين قلق.. شهيد الإجرام الإسرائيلي

 في حيفا، في عام ،1936 ولد عز الدين قلق، في عائلة مثقفة، انخرطت باكراً في النضال المعادي للاستعمار الإنكليزي والصهيوني. ولقد تاثرت هذه العائلة بفكر الحركة العمالية الناشطة آنذاك في فلسطين، وبفكر الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي يعتبر من أقدم الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية.

حدثت النكبة في عام 1947-،1948 وهاجرت عائلة عز الدين قلق إلى سورية، واستقرت في العاصمة دمشق.. ودخل الفتى عز الدين مدارس دمشق، واجتاز الشهادة الثانوية بنجاح، وتابع دراسته في الجامعة السورية التي كانت آنذاك مركزاً نشيطاً للحركة السياسية في البلاد. وجد عز الدين قلق نفسه وهو الطالب الذي انتسب إلى كلية العلوم منخرطاً في النضال السياسي والاجتماعي إلى جانب الحزب الشيوعي السوري صديقاً له، وقد سبقه في ذلك عمّه شعبان قلق، الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي الفلسطيني.

لقد أقام عز الدين قلق أوثق العلاقات مع منظمة الحزب الشيوعي في جامعة دمشق في الخمسينيات من القرن الماضي، وساهم في جميع نشاطاتها، وخصوصاً الأدبية منها، وكان من أعضاء رابطة وحي القلم، وصدرت له مجموعة قصصية (شهداء بلا تماثيل). كان هذا الشاب على درجة عالية من الذكاء والثقافة والموهبة، وكان يتحدث الإنكليزية والفرنسية بطلاقة، ويحوز على ثقافة فنية عالية.

وفي عام 1959 أتى الامتحان الأكبر للقوى الديمقراطية والشيوعية في البلاد، وزجّ بآلاف التقدميين في السجون السورية، وكان هذا التدبير هو الخطأ الذي تم ارتكابه من الذين أشرفوا على الحياة السياسية أثناء الوحدة. واعتُقل عز الدين قلق وعمه شعبان قلق، وزج بهما في سجن المزة. لقد طلب منهما البراءة من الحزب الشيوعي ومن كل توجهاتهما السابقة. عز الدين قلق، المتمسك بكرامته وحريته، رفض ذلك رفضاً قطعياً، وفضل البقاء في السجن على أن يتخلى عن حريته في اتباع الفكر الذي يقتنع به، رغم تعرضه للضغوط الكثيرة هو وعمه. وفي السجن لعب عز الدين قلق دوراً في رفع معنويات المعتقلين، وفي خلق نواة فنية تمثيلية عززت علاقات المعتقلين وقوّت من صلابتهم الروحية التي كانت ضرورية لهم في تلك الفترة العصيبة من حياتهم.

خرج عز الدين قلق من السجن بعد انهيار الوحدة السورية المصرية، وقرر أن يكرس حياته للقضية الفلسطينية، ويلعب دوراً هاماً في عقلنتها، وفيما بعد في فرنسا أصبح رئيساً لاتحاد الطلاب الفلسطينيين، ثم ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس. كان دوره هناك مميزاً في شرح أبعاد القضية الفلسطينية، وبفضل إجادته للغتين الفرنسية والإنكليزية استطاع أن يوصل عدالتها إلى أوساط أوربية عريضة، وأن يقيم صلات واسعة مع قوى سياسية واجتماعية أوربية لم تكن على اطلاع حقيقي على عدالة هذه القضية.

لم يقتصر نشاطه على الصلات السياسية، وإنما خاض الكثير من السجالات مع الإعلام والشخصيات الصهيونية، واستطاع من خلال ذلك مخاطبة عقول الفرنسيين والأوربيين وقلوبهم، كما كانت له مساهمات ملموسة في مجال الثقافة والفن الفلسطينيين اللذين حاولت الصهيونية طمسهما. ونتيجة هذا النشاط الذي لا يكل للمناضل عز الدين قلق، ونتيجة التأثير الملموس على الرأي العام الأوربي، وضعته إسرائيل في مخططها الهادف لإزالة هذه الشخصية المزعجة لها.

في 3/8/1978 أقدمت إسرائيل بواسطة زبائنها في فرنسا على اغتياله، لتنتهي بذلك حياة حافلة بالنضال الوطني.. وبفقدانه خسرت منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الديمقراطية في فلسطين وسورية مناضلاً صلباً وشخصية اجتماعية هامة.

كان استشهاده تظاهرة كبيرة دعماً وتأييداً لقضية الشعب الفلسطيني العادلة والشريفة.. ودفن في دمشق.

إن حياة هذا المناضل الباسل كانت مرتبطة ارتباطاً كاملاً بنضال كلا الشعبين الشقيقين السوري والفلسطيني، ودخلت في إرثهما الكفاحي الذي لن تمحوه السنون.

العدد 1105 - 01/5/2024