المسؤولية الاجتماعية ضرورة ملحة الوضع المعيشي للمستهلكين أصبح مأساوياً

ارتفاعات يومية بأسعار معظم السلع والمواد الغذائية تشهدها الأسواق المحلية حالياً، فالمستهلك بات حائراً لا يدري كيف يواجه هذه الأسعار وخاصة أن دخله بات محدوداً كثيراً مقارنة مع تضخمها. لم تكن آخر الارتفاعات التي صدمت المستهلك سعر البيض الذي بلغ صحنه 1000 ليرة وأكثر في بعض المناطق بريف دمشق، بل طالت الارتفاعات معظم السلع الأخرى حتى المتة التي بلغت 400 ليرة للعلبة وهي تعتبر مشروباً شعبياً للكثير من المواطنين في سورية، وطالبت جمعية حماية المستهلك من المواطنين بمقاطعتها.. لكن في حال أراد المواطن أن يقاطع كل السلع المرتفعة فإنه سيعيش على (الهواء) فقط لأنه أرخص الموجود.

أما الخضار والفواكه فهناك دعوات من بعض الجهات الزراعية إلى عدم الاستيراد وتجار الخضار يرفضون ذلك، فالذي يدخل إلى بائع الخضار اليوم ويشتري بالكيلو يعتبر من الطبقة الثرية، فالخضار ركبت (موجة الدولار) فكان الحديث يقتصر على الكوسا ولكن حتى اليوم (خبز الفقير) البطاطا باتت عصية على الفقراء أنفسهم بعد أن بلغ سعرها 200 ليرة للكيلو، واتجه المستهلك إلى الفواكه المحلية طبعاً، مثل الكرمنتينا والبرتقال ليشبع حاجته من الفواكه، فهي أرخص الموجود في أسواقنا، وابتعد كل البعد عن اللحوم بجميع ألوانها الحمراء والبيضاء، فكيلو لحم الخروف أصبح بـ4250 ليرة وكيلو الفروج المنظف بات بـ900 ليرة، حتى مشتقات الحليب طالها ارتفاع الأسعار فكيلو اللبنة حالياً بلغ 800 ليرة، وعلبة اللبن التي أصبحت تتقلص يوماً بعد يوم دون رقيب ووزنها لا يتجاوز 900 غرام على الرغم من أنها يجب أن يكون وزنها 1 كيلو، باتت بـ370 ليرة، فماذا يأكل المستهلك بدخل إن كان في أحسن أحواله لا يتجاوز 30 ألف ليرة شهرياً وأقل تكلفة لأي وجبة غذائية لأسرة مكونة من 5 أشخاص تتجاوز 2500 ليرة حداً أدنى.

جمعية حماية المستهلك: كل الشكاوى تتعلق بارتفاع الأسعار

رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها عدنان دخاخني، أوضح أن الأسواق حالياً تشهد ارتفاعات غير مسبوقة، مشيراً إلى أن كل الشكاوى التي تتلقاها الجمعية  يومياً تتعلق بارتفاع الأسعار وعدم مناسبتها للدخل.

ونبه في تصريحه لـ(النور)، إلى أن المواطن لم يعد يستطيع أن يتدبر أموره المعيشية، لافتاً إلى أن سعر كيلو البندورة أصبح ـ300 ليرة والباذنجان ـ500 ليرة والزيت البلدي تجاوز 1300 ليرة لليتر وهو إنتاج محلي، وأصبح سعر كيلو الزيت الأبيض أكثر من 450 ليرة، وكيلو الفول التي تعتبر أكلة شعبية تجاوز 250 ليرة، حتى جرزة البقدونس باتت بـ 50 ليرة، وبالطبع المستهلك بات يحتار ماذا يشتري فهناك سلع أساسية لا يمكن أن يستغني عنها مثل السكر والشاي والخضار، وكلها أصبحت غير ملائمة  لدخله.

الوضع المعيشي مأساوي

ووصف دخاخني الوضع المعيشي للمستهلك بـ(المأساوي) فقد أصبح هناك سعر جديد في كل يوم لأي سلعة، وأكد أنه يجب على الحكومة أن تتدخل سريعاً وأن تقدم سللاً غذائية بأسعار مدعومة للفقراء وذوي الدخل المحدود.

وأكد رئيس الجمعية أن أسباب ارتفاع الأسعار هو ضعف القدرة الشرائية لليرة وارتفاع سعر الصرف، ورأى أن عدم خفض الأسعار هي مسؤولية الحكومة، مشيراً إلى أن هناك فارق في القدرة الشرائية يصل إلى 350 ليرة لكل دولار مقارنة مع بداية الأزمة، متسائلاً: (أين تعويض ذلك على المواطن وخاصة أن هذا الارتفاع له قيمة شرائية فأين ذهبت؟)، آملاً أن يكون هذا الارتفاع في سعر الصرف مؤقت.

ولفت إلى أن المواطن أمام معادلة صعبة للغاية وهي عدم قدرة دخله في مجارة الأسعار المرتفعة، مضيفاً أن هناك مسألة أخرى تواجه المستهلك، وهي ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل غير منطقي فالذي كان يؤجر الشقة بـ10 آلاف ليرة أصبح يطلب 80  ألف ليرة أي أن الموظف أو ذوي الدخل المحدود عليهم أن يعملوا طيلة أيام الشهر بأكثر من عمل لكي يستطيعوا أن يدفعوا أجرة الشقة فقط، فكيف لهم أن يأكلوا ويلبسوا ويشربوا؟.

المسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال

ونبه إلى أن قطاع الأعمال السوري يجب أن يتحمل مسؤوليته الاجتماعية تجاه المجتمع، مشيراً إلى أن الأزمة خلقت طبقيتن إحداها لا تجد كسرة الخبز وأخرى (فتحت لها ليلة القدر)، مشيراًا إلى أنه على الحكومة أن تبحث عن المؤسسات الاقتصادية التي لم تتأثر كثيراً بعوامل الأزمة وعملها لا يزال يسير بشكل طبيعي وأن تتعاون معها ومع غرف التجارة والصناعة واتحاد الحرفيين لتقديم مساعدة لذوي الدخل المحدود عبر الجمعيات الخيرية أو غيرها، لافتاً إلى أن هناك من يعمل بهذا الأمر ولكن أيضاً في الوقت نفسه هناك أشخاص بعيدون عن هذه المسؤولية رغم أن دخلهم كبير.

طبعاً العوامل السابقة تدفعنا للتأكيد على أهمية تحمل قطاع الأعمال في سورية لمسؤوليته الاجتماعية تجاه المجتمع، سواء القطاع العام أو الخاص..وهنا لا بد من سؤال: ماذا عن المسؤولية الاجتماعية حالياً؟.

الباحث الاقتصادي نضال طالب أوضح في تصريحه ل(النور)، أن القطاع العام يُشهد له بتحمل مسؤوليته الاجتماعية منذ بدء الأزمة ولغاية اللحظة، فهو لم يقم بتسريح العمال رغم توقف العديد من المعامل والشركات العامة عن العمل في المناطق الساخنة، وإلى هذه اللحظة تدفع رواتب لهم كمسؤولية اجتماعية من الحكومة تجاه العمال.

أما بالنسبة للقطاع الخاص فهو بالطبع لم يتحمل مسؤوليته الاجتماعية تجاه العمال أو ذوي الدخل المحدود، لافتاً إلى أن القطاع الخاص معذور حيال ذلك لأنه عبارة عن مستثمر ومشروع اقتصادي يهدف إلى الربح أكثر من هدفه الاجتماعي، فهو يبحث عن الآمان ليوطن رأس ماله، فهو ليس مشروعاً خيرياً بل مشروع اقتصادي، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن ننكر أنه قام بدور اجتماعي ولكن ليس كما يجب ومن المفترض أن يكون أكبر من ذلك خلال الأزمة التي تمر على سورية.

دعوة لإحداث هيئة خاصة للمسؤولية الاجتماعية

بالمقابل أوضح عضو في غرفة تجارة دمشق فضّل عدم ذكر اسمه في تصريحه ل(النور)، أن قطاع الأعمال يقوم بدوره الاجتماعي ولكن بشكل فردي وغير منظم، مشيراً إلى أن مشاركة قطاع الأعمال في المسؤولية الاجتماعية يجب أن تتم تحت مظلة واحدة لا أن يبقى فردياً لأنه غير كاف لتحقيق الغاية من المسؤولية الاجتماعية، فهو يضطر لممارسة دوره الاجتماعي عن طريق بعض الجمعيات الخيرية والأهلية، وبالطبع الجمعيات لن تكون على دراية كاملة بكل المحتاجين وخاصة فئة العمال المسرحين أو المتعطلين عن العمل، ذلك أن قطاع الأعمال والاتحادات هم على دراية كاملة بعدد العمال الذين تعطلوا عن العمل نتيجة الظروف الراهنة.

وأكد ضرورة أن يكون للقطاع الخاص هيئة خاصة به للمشاركة في المسؤولية الاجتماعية، فهناك الكثير من العمال والتجار أيضاً دخلوا مرحلة العوز وهم يحتاجون إلى مساعدة، وعندما تكون الاتحادات مجتمعة سواء غرف الصناعة أو الزراعة أو غيرها تحت مظلة واحدة وهيئة واحدة للقيام بدورهم الاجتماعي، فهم يستطيعون أن يتوجهوا بشكل صحيح ومنظم إلى المحتاج الحقيقي.

واقترح عضو غرفة تجارة دمشق إنشاء صندوق إغاثة لموظفي وعمال وتجار وصناعيي القطاع الخاص، لتحقيق المسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال.

العدد 1105 - 01/5/2024