الدولار والأسعار شبح اقتصادي أم تشبيح؟

 لقد كانت سورية ومازالت صاحبة أرض القمح العالمي الأول والمحراث الأول والأبجدية الأوغاريتية الأولى.. وتحتل موقعاً استراتيجياً هاماً يجعلها تتربع على عرش كل الحقول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية…

وسورية من البلدان النامية التي تتخبط في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية بين اعتماد سياسة ونهج اقتصادي ثابت.

اعتمدت سورية منذ الاستقلال عام 1946 على اقتصاد السوق، فنما دور البرجوازية الوطنية والرساميل ؛وأبرز ملامح تلك المرحلة هو التطور النوعي والكمي للاقتصاد السوري في مختلف النشاطات، هو مبدأ الحرية الاقتصادية وعلاقات السوق؛ ومع انتقال السلطة عام 1963إلى قوة مغايرة أكثر تقدمية انتقلت الدولة إلى حسم أمرها بالاعتماد على سياسة التخطيط المركزي، وبدأت تدخل الاقتصاد من الباب العريض، وأبرز ملامح تلك المرحلة هي المركزية في قيادة الاقتصاد ودعم القطاع العام بعد التحول الاشتراكي .. وفي عام 1970بدأ الاتجاه نحو القطاع الخاص وإعطائه دوراً أوسع بعد إطلاق شعار (التعددية الاقتصادية)، وجاء في دستور الجمهورية العربية السورية عام 1971: (إن الاقتصاد السوري هو اقتصاد اشتراكي مخطط بعد أن اعتمدت الحركة التصحيحية  نهج التعددية الاقتصادية ومساهمة كل القطاعات (العام – الخاص- المشترك).

ومنذ عام 2000 جرى تبنّي مشروع الإصلاح الاقتصادي مع استلام الرئيس الشاب الدكتور بشار الأسد ..

وفي عام 2005 طرح اعتماد نظام جديد للاقتصاد السوري وهو(اقتصاد السوق الاجتماعي)، وأتى عام 2011وطرقت الحرب الكونية القذرة طبولها علينا، وعرقلت كل ما جرى بناؤه، من خلال الحصارات والتهديدات والضغوطات الاقتصادية التي جعلت الاقتصاد السوري يعاني من تقلبات واختلالات جوهرية تعود إلى مشكلات تتعلق بعاملين:

 1– انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية.

 2-التضخم الاقتصادي الذي لم تشهده سورية من قبل.

 ست سنوات من عمر الحرب عولمت سورية سياسة التحدي والصمود في مواجهة أكبر مؤامرة كونية حصلت في التاريخ…

أثناء بحثنا بالنسب والأرقام عن سبب تدهور الظروف المعيشية للمواطنين العاملين وغير العاملين في الدولة، وعن انهيار القيمة والقوة الشرائية لليرة السورية، نجد أن التضخم والارتفاع الكبير والدائم للأسعار هو السبب الرئيسي مقارنة بالدخل..

متوسط راتب الموظف السوري في عام 1969كان (250 ل.س) وكان سعر غرام الذهب (4,5ل.س) وإذا قسمنا الراتب 250على 4,5ل.س غرام الذهب =55غرام ذهب (قيمة الراتب سابقاً) … أما اليوم فمتوسط الراتب يعادل (1,5) غرام من الذهب مقابل 55غراماً علم ..1969. وبهذا الحساب البسيط يكون الراتب هبط 44ضعفاً، أي كل 250ل.س عام 1969تعادل اليوم مليوناً ومئة ألف ل.س.

وإذا حسبنا ما تحتاجه أسرة مؤلفة من 6 أشخاص لتأكل فلافل على مدار 3وجبات يومياً لوجدنا أنها تعادل 81000ل.س.

تخيل- يا رعاك الله- ما تفعله سندويشة الفلافل بالمواطن السوري!!

– يعد قطاع النفط في سورية ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد ومصدراً لتمويل الموازنة وجزء هام من الدخل الوطني.

لقد بلغ إنتاج النفط السوري قبل الحرب وتحديداً عام 2010 حوالي 0,5% من إنتاج النفط العالمي مايعادل وسطياً 378 ألف برميل يومياً… تدهور قطاع النفط  خلال الأزمة بسبب العقوبات الاقتصادية وحظر استيراد النفط السوري من جهة، وبسبب سيطرة المسلحين على قسم كبير من آبار النفط  وبيعه بسعر زهيد من جهة ثانية.. كما تم استهداف خطوط الإمداد وقطعها وتدميرها، وقد قدّرت كميات النفط المهدورة والمسروقة بحوالي 11,942مليون برميل، وانعكس ذلك على أداء الاقتصاد السوري ككل… بعد أن قدرت خسائر النفط عبر سنوات الأزمة بأكثر من 1600 مليار ليرة سورية…

 برأيي كل الإصلاحات التي تمت حتى الآن لا تشكل إصلاحاً اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا تنموياً متكاملاً، والمطلوب:

1-تغيير بنية القوى العاملة السورية لا سيما الإدارة الوسطى.

2-النظر بهيكلية السلطة التنفيذية لتنفيذ المراسيم وإعادة النظر برفع أجور العاملين.

3-تخصيص معونة اجتماعية مالية للعاطلين عن العمل بسبب العجز بالإصابة أو الدراسة.

 ليس من المعقول أن يكون 70% من العاملين في الدولة أقل من شهادة ثانوية، وأن يوجد في الوقت نفسه آلاف  الخريجين الجامعيين والاقتصاديين والحقوقيين بلا عمل، يأكلهم اليأس والإحباط كل ليلة والتنمية والبلد والمشروع الاصلاحي بأمسّ الحاجة إليهم وإلى خبراتهم… المطلوب أيضاً من رجال الأعمال السوريين الدعم المادي على أرض الواقع بالأفعال لا بالأقوال، ولاسيما أغلب المسؤولين المتربعين على عرش المناصب من الطبقة الغنية همهم بطونهم وقبلتهم النساء والملذات الشخصية وزيادة ثرائهم بعد أن فقدوا حواسهم الخمس! فلا حس ولا ذوق عندهم بشعور ومعاناة الطبقة الفقيرة الكادحة في سورية التي قدمت الغالي والرخيص لبقاء سورية ….

فإذا لم تسبق الأفعال الأقوال نكون قد وقعنا في بئر أزمة النفاق التي لن تساهم في الحل والحوار ولا تداوي الجراح…

وتبقى الإجابة عن التساؤل الذي طرحناه في البداية…

هل الدولار والأسعار شبح اقتصادي أم تشبيح؟ تبقى رهناً وأمانة بين أيديكم.

كل الرحمة لدماء شهدائك سورية.. والشفاء العاجل للجرحى!

العدد 1107 - 22/5/2024