كي لا ننسى….حسن قريطم(1919-1985)

أحد القادة التاريخيين للحزب الشيوعي في سورية ولبنان. يقول ابنه بشار إن والده، نادراً، ما تحدث عن حياتِه ونضالِه. ربما هي إحدى الصفات التي يجب أن يتحلى بها القادة، وفق التقاليد الشيوعية، تلك الأيام، إذ يتنقلون من عهدٍ سريٍّ إلى آخر، طوال العمر. كان حسن قريطم أحد أبرز هؤلاء القادة، المنذورين لتنفيذ المهام الصعبة، دون أن يتذوقوا ألوانَ حياةٍ أخرى.

تعرّف على الفكر الماركسي، أواخر الثلاثينيات، على يد أستاذٍ شيوعيٍ فرنسي، في مدارس (الليسه) العلمانية، التي تخرّج فيها حاملاً شهادة البكالوريا التجارية. واشتغل، سنواتٍ قليلة، محاسباً. عمل والده(عمر)، فترةً، مديراً لسجن الرمل. يروي بعض قادة الحزب المؤسسين كأرتين مادويان، أنه كان يتعامل مع الشيوعيين بتعاطف.

بدا ضمُّه، إلى صفوف الحزب، فاتحةً خير، وهو المُسلمُ، من عائلة قريطم البيروتية العريقة. عندما ذكر الرفيق حسن لوالده أن الشيوعيين يعرضون عليه التفرغ الحزبي، أراد الأب أن يعرف الراتب الذي سيحصل عليه ابنه، وقد أصبح المعيلَ الوحيدَ للأسرة. كان الحزب يعطي المتفرِّغ خمس عشرة ليرة، شهرياً، ولكن، عندما التقى الوالد بعض رفاق القيادة، وافقوا أن يرفعوا الراتب إلى سبع عشرة ليرة.

تروي هذه الحكاية، من زمن البدايات، الكثير عن الرفيق حسن، بل عن مئات الشيوعيين الأوائل، الذين عنى الانضمام إلى الحزب، قبولَهم العيشَ القاسي المليء بالأخطار، حدّ الموت، تحت التعذيب، وما يشبه الفاقة، والكثير من التشرد الأسروي. يستحق جميع من قبلوا ذلك الخيار، بأريحية ودون ندم، أن ننحني أمام ذكراهم الطيبة، حتى لو اختلفنا معهم في مرحلةٍ أو أخرى، من مراحل نضال الحزب. سيكون في هذا ولادة ثقافة ووعيٍ جديدين لدى الشيوعيين. (أقدر، كثيراً، دور (النور) في هذا المجال، وخصوصاً: الإسهام الحثيث للصديقين يونس الصالح وبشّار منيّر).

قاد حسن قريطم عمل العديد من منظمات الحزب، في سورية ولبنان. يذكر شيوعيو حلب أنه أمضى، في مدينتهم، ما يقرب من عامين، في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي. كثيرون منهم لم يعرفوا اسمه الحقيقي، بيد أنني كنت متيقناً، عندما قابلت بعضَهم، أنهم عملوا مع أبي بشّار. روحُه كانت فيهم. أما رفاقُه في لبنان، فيذكرون جرأتَه الفائقة في قيادة المظاهرات، فترة الأربعينيات والخمسينيات، من القرن الماضي. تلقى طعنةَ سكين، في إحدى مظاهرات الأول من أيار، بقيَ أثرُها في كتفِه، طوالَ عمره.

درس الماركسية اللينينية، في المدرسة الحزبية العليا، في موسكو(بين عامي 1956-1959)، مع الرفاق يوسف الفيصل ودانييل نعمة وصوايا صوايا.. تقدّم في صفوف القيادة، سريعاً، ووصل إلى اللجنة المركزية، ثم إلى المكتب السياسي. ألقى كلمة الحزب في المؤتمر الثالث والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، ومثّله في عددٍ من مؤتمرات الأحزاب الشيوعية في البلدان الاشتراكية.

عندما توجه الرفيق خالد بكداش، عائداً إلى دمشق، عام ،1962 رافقه حسن قريطم مع مصطفى أمين ونوري حجو الرفاعي. بيد أن سلطة الانفصال لم تسمح لهم بدخول سورية. جابه الرفاق الموقف، بهدوءٍ وشجاعة، متحدّين المسؤول الأمني الذي تصرّف معهم بفظاظة، في المطار، قبل أن تعود بهم الطائرة، من حيث أتت، عبر مطار بغداد. نام القادة الشيوعيون ليلتَهم، في الطائرة، شاكرين دعوة(الزعيم) عبد الكريم قاسم، للإقامة في أحد فنادق بغداد، دون أن يُلبّوها.

تزوج حسن قريطم من الرفيقة سلمى البنّي، إحدى أوائل النساء الثوريات، في مدينة حمص، وأنجبا غفران، وميّ وبشّار.

عندما حصل صراعٌ فكري وسياسي، داخل الحزب الشيوعي اللبناني، أواسط الستينيات، بقي حسن قريطم وصوايا صوايا، ضمن مجموعة من الشيوعيين، متمسكين بفهمهم التقليدي للماركسية اللينينية. عاش أبو بشار، السنوات الأخيرة من عمرِه، في دمشق، وكان يعاني من أمراضٍ عدة. عاد إلى بيروت، استعداداً للسفر إلى الاتحاد السوفييتي، بهدف المعالجة. بيد أن قلبَه لم يُمهِله. توفي بتاريخ 21 آذار 1985.

يشكّل نضال الرفيق أبي بشّار جزءاً من تاريخ الشيوعيين اللبنانيين والسوريين. فهو انتمى إلى الجيل الذي فهم الحياة وعاشها كثوري، ضمن رؤية شيوعية صلبة وشاملة. رؤية منحتنا الأمل والثقة بالمستقبل، دون أن تزوّدنا بطاقةٍ كافيةٍ من النقد والمراجعة والتجدد، كي لا نواجه غير المتوقع، كأنه هزيمة.. بيد أن حياة حسن قريطم هي فصل من دراما إنسانية طوباوية نبيلة ومستمرة.. فيها الكثير مما يُنعِش الذاكرة المتعَبَة ويُلهم ويُحيي الثقة..

العدد 1105 - 01/5/2024