الآثار الاجتماعية الاقتصادية للأزمة السورية

يا عيوناً بكى فيها السلام

قتلت الحرب كل حروف الكلام

رحل اليمام وعاد للخلف الأمام

تعرى الحق ولبس الباطل ثوب الظلام

قرى ومدن بكى في سمائها الحمام.

 

هل المجتمع السوري أحد أسباب الأزمة أم هو الضحية؟

ست سنوات من عمر الحرب والحلّ مازال مفقوداً بين الأمس واليوم!

يتميز المجتمع السوري بأنه كان من ضمن المجتمعات التي تتصف بالاستقرار الاجتماعي الأمني والاكتفاء الاقتصادي رغم مامر عليها من أزمات عبر التاريخ، لكننا لم نشهد أزمة مثل التي تحدث الآن بأمراضها وآثارها الكارثية، النفسية منها والصحية والاقتصادية الاجتماعية على حد سواء…

فقد تغلغلت ثقافة القتل والعنف والتعصب وحمل السلاح، بدلاً من ثقافة المحبة والتسامح، وظهرت من العمق إلى القاع حالات شذوذ لم تشهدها المنطقة على مر العصور: (خطف وقتل واغتصاب وسرقة وتنكيل بالجثث) أحدثت زلزالاً نفسياً في الخارطة الذهنية للمواطن السوري؛ خصوصاً الأطفال الفئة الهرمية الأكثر تضرراً في المستقبل القريب منه والبعيد..

ولسنا هنا بصدد الحديث عن حجم الأزمة المتأزمة الضاربة في عمق النسيج السوري بقدر الحوار عن التشخيص من أجل البحث عن سبل ووسائل علاج لهذا الجسد الاجتماعي، لترميم ما تأزم من جراح وتخفيف الألم.. لاحول لنا ولا قوة إلا بالحوار والتسامح فيما بيننا، فسلاحنا الوعي وتحكيم العقل للعيش معاً بأمن وسلام وإعادة البسمة لنسيان ماعانيناه…

أحد أهم الآثار التي أفرزتها الأزمة السورية هي الآثار الاجتماعية النفسية، فالمواطن السوري يعاني من الصدمات العاطفية في كل مدينة وقرية ومنزل، نتيجة استشهاد عزيز أو فقدان غالٍ وإصابة مقاوم هذا من جانب، ومن جانب آخر يعيش المواطن السوري حالة قلق ورهاب دائم بين ما يتوفر له وما يتطلبه ويطمح إليه، فالإرهاب يحاصره من كل زاوية خصوصاً الإرهاب الاقتصادي والبطالة وغلاء المعيشة، وبالتالي انحصر التفكير بلقمة العيش وشلّت حركة الفكر والإبداع التي يتميز بها السوري…

بلغت حجم خسائر القطاع الاقتصادي في سورية بسبب الحرب 4061مليار ليرة سورية أي ما يعادل 81 مليار دولار بحسب القدرة الشرائية للعام .2000. وقد احتل قطاع الصناعة المرتبة الأولى بالضرر بنسبة 50%، يليه قطاع تجارة الجملة والمفرق ب18,7% بينما تمثل خسائر قطاع النقل والمواصلات والتخزين 9,9% والزراعة 9,8%، وباقي القطاعات 11,6%. فكم من السنوات سنحتاج لتعويض حجم هذه الخسائر؟

تعد مشكلة البطالة من أخطر الآثار الاجتماعية للأزمة السورية لأن العمالة عصب الحياة وعامل رئيسي لايستهان به في مرحلة إعادة البناء؛حيث تشير إحدى الدراسات إلى أن نسبة البطالة 53%أي ما يعادل 3ملايين مواطن سوري خارج سوق العمل، هذا الرقم كبير جداً مقارنة بنسبة المهجرين خارج الأراضي السورية والذين أحصاهم سجل الهجرة والجوازات بعد أن غادر 12,5مليون سوري، وتشير الدراسة إلى أن 24% من المناطق السورية لم يعد يتوفر فيها فرص عمل على الإطلاق خلال الأزمة إذ تراجعت نسبة المناطق التي توفر فرصاً عديدة للعمل المنخفض من 65%قبل الأزمة إلى 12%خلالها.

فالفرص الاقتصادية لشباب سورية التي تعاني من الصراعات والضغوطات الاقتصادية أصبحت كابوساً يقتل أحلامهم ويهدد سرير التنمية الاقتصادية الاجتماعية، أحلام الشباب باتت تعزي نفسها بنفسها في مقبرة الأمل المفقود بساحات الحرب، تقبل التعازي في صالة الضمير النائم على نفقة أصحاب الجيوب المنتفخة والكراسي الدوارة.

ويبقى السؤال هل المجتمع السوري أحد أسباب الأزمة أم هو الضحية؟

في الحقيقة هو هذا وذاك، فالمجرم والضحية يتعايشان في المجتمع نفسه، وتبقى الأخلاق والقيم والتربية هو الطريق الوحيد للوصول إلى نقطة بداية علاجية لما نحن عليه من آثار اجتماعية اقتصادية أزموية عرقلت المسار الصحيح الذي كانت تسير عليه التنمية الاقتصادية الاجتماعية في سورية.

كل الرحمة لأرواح الشهداء.. والخلود للجيش العربي السوري!

العدد 1107 - 22/5/2024