المستهلك متوجس من الارتفاع المخيف للأسعار..وصمـت حكومي عن حجز الحاويات في المرافئ

 ارتفاعات كبيرة للأسعار تشهدها أسواقنا، بلغت أكثر من 30% لمعظم السلع والمواد الغذائية وغير الغذائية، ذلك أن مؤشرات الأسعار لم تعد تعرف الاستقرار أبداً، فالسلعة نفسها تباع بعدة أسعار خلال الوقت نفسه، وحجة البائع هي تذبذب سعر الصرف، والشيء الأكثر غرابة أن الأسعار تقفز بمستويات كبيرة، ففي المرات السابقة كانت ترتفع بحدود 5 أو 10 ليرات، أما اليوم فإن الأسعار تقفز ما لا يقل عن 100 ليرة دفعة واحدة بين يوم وآخر.

المستهلك طبعاً لدى دخوله عند البائع يفاجأ بالسعر، فهل يعقل أن يصل سعر علبة التون إلى 450 ليرة!! وعلبة الحلاوة إلى 500 ليرة، وعلبة الفطر إلى 450 ليرة، وكذلك علبة المتة، والكثير من هذه السلع التي قفزت بأسعارها بما لا يقل عن 100 ليرة بالمتوسط..

ولم يقتصر ارتفاع الأسعار على المواد الغذائية فقط، بل طال أيضاً الخضار والفواكه بشتى أنوعها، وبلغ ارتفاع هذه السلع بنسبة 40%، فالباذنجان يسجل سعراً قياسياً ببلوغه ما بين 350 إلى 400 ليرة، والبطاطا بنحو 250 ليرة، وأيضاً البندورة بنحو 250 ليرة والخيار 340 ليرة أي أن سعر الخيارة الواحدة يصل إلى نحو 50 ليرة وربما تجاوزت ذلك.

الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف أوضح في تصريحه لـ(النور)، أن أسعار معظم المواد وخاصة التموينية منها ارتفعت بنسبة لا تقل عن 30% خلال الفترة الأخيرة، وذلك كرد فعل مباشر لعدم استقرار أسعار صرف الدولار، وخاصة ارتفاعه المفاجئ.

وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار شمل عدداً كبيراً من السلع التي تمسّ معيشة المواطن بشكل مباشر، وذلك لعدة أسباب، عدا ارتفاع سعر الصرف، منها: الخوف من ارتفاع أخر للدولار يرفع أسعار المواد، وتوقف التسهيلات التي كان الموردون والمصنعون يقدمونها لمحلات المفرق، فقد انتهى ما يسمى البيع بالأمانة أو البيع بالدين لتلك المحلات.

ولفت الخبير يوسف، أنه يلاحظ كذلك ارتفاع أسعار الخضروات بشكل عام وبنسب متفاوتة حسب المادة، ووصل الارتفاع إلى حدود 40% لبعض أنواع الخضروات المستوردة خاصة.

وأضاف: بالنسبة للأدوات الكهربائية والالكترونية و خاصة الجوالات و أجهزة الكمبيوتر فمنذ بعض الوقت خرجت من التعامل بها بالليرة السورية، وتحولت إلى ما يقابلها من الدولار الأمريكي، فلم تتأثر تلك المواد بالارتفاع العام للأسعار لأنها أساساً ترتبط وتباع وتشترى بالدولار الأمريكي.

المستهلك حالياً متوجس من هذا الارتفاع المخيف الذي أكل الأخضر واليابس من دخله المتآكل أصلاً، وهذا ما عبر عنه أحد التجار في تصريحه لـ(النور) قائلاً: في الحقيقة بلغنا مرحلة مخيفة ومربكة، برأيي هي حرب إعلامية، إضافة إلى الحرب العسكرية التي تشن على الاقتصاد السوري، قوامها الإشاعات والقرارات الاقتصادية غير المدروسة، مؤكداً أن سبب ارتفاع الأسعار الرئيسي هو الشائعات القوية جداً حول منع الاستيراد، وما يعزز هذه القناعة هو عدم منح إجازات استيراد مما جعل المستوردين يمسكون بضائعهم، وقد أجاد المخلصون الجمركيون اللعب على هذا الوتر وتغذية مخاوف الناس، مما دفع حتى كبار التجار للامتناع عن بيع بعض البضائع أو رفع أسعارها بأحسن الأحوال.

ونبه التاجر إلى أن معظم التجار يقولون حالياً: (يا أخي أنا أخاطر وعم تطلع عيوني حتى أحوّل المصاري وأشوف البضاعة هون، وعندي مصاريف ضخمة، فلازم أحسبها منيح)! مشيراً إلى أن أفضل ما يمكن فعله هو طمأنة المستوردين فوراً بمنح اجازات استيراد، بشرط تأمين القطع بوسائلهم لكل السلع عدا الأغذية والأدوية والمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، ومؤكداً أنه إلى الآن لا تزال مئات الكونتينرات في الميناء مكدسة وهي بانتظار حل ودون معرفة السبب، ولهذا أؤكد أن أفضل حل هو طمأنة التجار من خلال منح إجازات استيراد.

المشكلة بحسب العديد من التجار أن احتجاز السلع والبضائع في الموانئ السورية لفترة طويلة عزّز احتكار المواد لدى باعة الجملة الذين رفضوا طرح بضائعهم في الأسواق، بل وتحكموا في تدفقها في السوق المحلية وفق مزاجهم، مما كرس ارتفاع الأسعار أكثر، فلم يعد عامل الدولار وحده هو من رفع الأسعار حالياً بل أيضاً عامل احتجاز البضائع في المرافئ السورية، وذلك لأن قلة العرض في الأسواق من شأنها أن ترفع أسعار السلع، وتشجع على الاحتكار.

ووصف الصناعي زياد الرهونجي هذا الإجراء في تصريح له (أن عرقلة التصدير والاستيراد دون تدرج ودون سابق إنذار حتماً نتائجه تؤكد أنه اختراع متجدد لصنع عجلة بأضلاع تخور ولا تدور، متسائلاً: أليس هذا تخبطاً في التفكير عند طباخي  قرار كهذا)؟!

باحث اقتصادي لفت في حديثه لـ(النور) إلى أن هناك العديد من العوامل دفعت مؤشر الأسعار للارتفاع، أهمها سعر الصرف ولحاق السلع به، وللأسف فإن الكثير من التجار فقدوا الرحمة من قلوبهم، فقاموا برفع أسعار بضائعهم بنسب غير منطقية، بحجة الدولار على الرغم من أن سعر الصرف لم يرتفع إلا عشر ليرات أو عشرين ليرة في حين نجد أن معظم البضائع قفزت بما لا يتجاوز عن 100 ليرة كحد وسطي، وهذا دليل على أن التلاعب بالأسعار هو سيد الموقف في أسواقنا، وأن حجة الدولار واهية وليست حقيقية كمؤشر لتسعير السلع في الأسواق. وأكد أن عرض السلع في السوق يلعب دوراً في تحديد الأسعار ولكن في الوقت نفسه إلى هذه اللحظة لم تفقد أسواقنا السلع، بل هناك وفرة فيها، ولكن إيقاف الحاويات في المرافئ عزز مخاوف تجار الجملة، فأمسكوا البضائع عن طرحها في الأسواق لحين البت بأمر الحاويات المتوقفة إلى الآن في المرافئ، وطبعاً هذا يسمى احتكاراً وعلى هيئة المنافسة ومنع الاحتكار أن تلعب دورها هنا وأن تمنع من احتكار السلع بأيدي قلة قليلة من التجار.

ما نود الإشارة إليه في نهاية الحديث أن وزارة الاقتصاد ربما تطبخ قراراً جديداً، فمعظم الذين تواصلنا معهم من تجار لا يعلمون ما سبب توقف هذه الحاويات التي جرى استيرادها، في المرافئ، ولا يعلمون ما هي التعليمات الجديدة التي ستصدر للإفراج عنها..ولكن ومع التأخر عن توضيح ذلك من قبل أي جهة حكومية سواء وزارة الاقتصاد أو الجمارك فإنه في هذا الوقت الأسواق تشهد عمليات احتكار وارتفاع في الأسعار بسبب هذا الإجراء، إضافة إلى تذبذب سعر الصرف، ونحن نؤكد أهمية إيقاف استيراد المواد الكمالية ونؤكد أيضاً ضرورة تطبيق مبدأ (أن نأكل مما نزرع وأن نلبس مما نصنع)، وأن تكون الأولوية دائماً للإنتاج المحلي وتشجيعه ودعمه، ونأمل أن يصب القرار الذي (يطبخ) في هذا المنحى!

العدد 1105 - 01/5/2024