لا للتقسيم ولا للإقصاء والتفرد بالسلطة.. نعم لوحدة تجعل سورية لكل السوريين!

 مثلما يزخر الشرق الأوسط بفيض من الخيرات، فهو يزخر أيضاً بتنوع المجموعات البشرية التي نشأت كلّ منها عبر التاريخ بتقاليدها وأعرافها ولغتها، وكلّ منها ساهمت في بناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وتطويرها وبما تمليه عليها أعرافها وتقاليدها، وسعت كلّ منها على الدوام لتجد لنفسها مكانة داخل مجتمع شرق أوسط معتمد على التوازنات والتوافق.

وبالرغم من الصراعات والحروب والمجازر المدمرة والموغلة في تاريخ الشرق الأوسط، لم تمتلك أية مجموعة بشرية القدرة على صهر الأخرى، وما امتلكت الأخرى هذه فرصة الانقطاع عن المجتمع الكلي له رغم امتلاكها عزيمة المقاومة والصمود ورفض العبودية والخنوع والانصهار داخل عجلة (الدولة القمعية والإقصائية) التي أنشأتها بإتقان القوى الإمبريالية الغربية عبر اتفاقات تقاسمت من خلالها تركة الإمبراطوية العثمانية التي كان من شأنها أن أعلت شأن بعض المجموعات (القوميات) ودفعتها لتمارس الظلم والاضطهاد بحق غيرها ممن لم تحظ آنذاك باهتمام القوى الإمبريالية العالمية، أو أنها تركتها عمداً لاستغلالها واستثمارها لاحقاً.

وسورية جزء من شرق الأوسط بل شرق أوسط مصغر وقلبها لما تزخر به من التنوع الاجتماعي والثقافي ولما لها من مكانة جيوسياسية مهمة، فها هي تعبر السنوات الست من أزمتها المختلقة على خلفية حراك شعبي طالب بمطالب محقة ومشروعة سُدّت الآذان عن سماعها وحلها، بل قُمع بشكل عشوائي لتفتح ثغرات للمتربصين بسورية ويقولون تلك ثغرات لأبواب الجحيم تكالبت منها جحافل الإرهاب المدعومة من دول إقليمية وعالمية تسعى لإنهاء دور سورية في شرق أوسط جديد مجابه للمشروع الإمبريالي في الشرق الأوسط الكبير من خلال الفوضى الخلاقة التي أطلقت عنانها كونداليزا رايس، فانقسم المجتمع السوري على نفسه وتنوعت التسميات، مغيبين اسماً هو الأساس (الوطن السوري) بأرضه وشعبه وجيشه واقتصاده وبنيته التحتية التي تعرضت للخراب والدمار والاستنزاف من قبل الجميع، وهو  الخاسر الأول والأخير، ولن يكون هناك رابح مهما طال الصراع إلا الأعداء الذين هم أعداء لكل الشعب السوري، والذين خططوا منذ أمد بعيد لتدمير سورية بأدواتهم القذرة من القوى الظلامية والإرهابية وقوى الفساد الداخلية التي عملت وتعمل لضرب مكونات الشعب السوري ببعضها.

إلا أن الشعب السوري وبكل مكوناته عبر التاريخ ومن عهد صلاح الدين الأيوبي وفي زمن إبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي وسلطان باشا الأطرش وإلى يومنا هذا هو عصيّ على دعاة الفتنة الخارجية والداخلية، فحريٌّ بنا اليوم نحن السوريين، بكل مكوناتنا وقوانا السياسية والشعبية وكل على قدر وجوده ومكانته في الدولة السورية، أن نقوم بمراجعة نقدية شاملة وبناءة بروح وطنية مجردة وبما تقتضيه المصلحة  الوطنية العليا لمعرفة أين أصبنا وأين أخطأنا، وأن نتجه معاً دون إقصاء وعلى قدم المساواة إلى حوار سوري سوري حول طاولة مستديرة، لندوّن عليها وثيقة عهد جديد لسورية المستقبل تصون وحدة أراضيها وتقر صراحة بالحقوق المشروعة لكل مكوناتها، ولنجعل منها نواة لمجتمع ديمقراطي تعددي علماني عماده العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات وصون كرامة الإنسان وعيشه بسعادة، ولنجعلها أيقونة الشرق الأوسط الجديد، يحتذى بها في جميع دوله ومجتمعاته، ولنغلق الباب وإلى الأبد بوجه المخططات  الاستعمارية والتآمرية.

إبراهيم الحامد

العدد 1105 - 01/5/2024