هل ينجح أردوغان في جرّ «الناتو» إلى مواجهة مع روسيا في منطقة البحر الأسود؟

 تشير التطورات الأخيرة في تركيا إلى أن أردوغان يمضي في تعزيز قبضته على السلطة، وأنه سيتولى أكثر فأكثر الإشراف المباشر على السياسة الخارجية التركية، وسيكمل ما بدأه مع رئيس الحكومة السابق داود أغلو، بطرق وأساليب بلطجية وبعيدة عن الدبلوماسية، وسيحاول أن يأخذ بالسياسة ما عجز عن أخذه في الحرب على سورية بالمفاوضات في جنيف، كما اتضح من خلال جولة جنيف 3 الأخيرة.

لقد اختلف أردوغان مع الجميع تقريباً، بسبب سياساته المتهورة، فهو ما يزال ينتقد، مع السعودية، إدارة أوباما لعدم تجاوبها معه في مساعيه الخبيثة لإقامة ما يسميها (منطقة آمنة) في الشمال السوري، واختلف مع الاتحاد الأوربي فيما يتعلق بمسألة اللاجئين في أوربا، فمثلاً رفض بعض الشروط الأوربية مثل تعديل قانون الإرهاب، ومكافحة الفساد، وضمان حرية الصحافة والقضاء.

إلا أن سياسة أردوغان أدت إلى مزيد من التدهور في العلاقات الروسية- التركية، الذي بدأ على إثر إسقاط تركيا الطائرة (السوخوي) الروسية ضمن الأراضي السورية، وقد أكدت التطورات اللاحقة لإسقاطها أن الأمر كان مدروساً ومتعمداً ومنسّقاً مع حلف الأطلسي.

وبعد أن أشعل نار الفتنة والقتال بين أرمينيا وأذربيجان، يعمل الآن على تحريض الدول المطلة على البحر الأسود ضد روسيا مدعياً أن منطقة البحر الأسود تتحول إلى بحيرة روسية، وقد ألمح أكثر من مرة إلى أن المسرح الجديد للمواجهة بين تركيا وروسيا سيكون البحر الأسود، وآخرها في خطاب وجهه إلى رؤساء الأركان الزائرين من دول البلقان، قال فيه أيضاً: إنه ينبغي تحويل البلدان التي تقع على شواطئ هذا البحر إلى بلدان مستقرة (حسب زعمه) على أساس التعاون فيما بينها، وأن يكون حلف (الناتو) موجوداً بشكل أكبر في المنطقة، مشدداً على ضرورة أن يتخذ الحلف خطوات جدية مطلوبة من جميع المجالات، بما في ذلك البرية والجوية والبحرية.

وتقوم استراتيجية أردوغان في مواجهة روسيا على مسألتين أو ركيزتين أساسيتين:

– الأولى: تعزيز وضع حلف الناتو في البحر الأسود في ظل القمة المرتقبة له في (فرصوفيا) في شهر تموز المقبل، حيث سيبحث فيها استعدادات الناتو العسكرية ضد أي تحركات محتملة لروسيا في بحر البلطيق وأوربا الشرقية، فضلاً عن أوكرانيا والبحر الأسود حسب تصور قادة الحلف، في الوقت الذي تم فيه تفعيل قاعدة الصواريخ الدفاعية من قبل الولايات المتحدة في رومانيا كخطوة من أجل التصدي لعدوان روسي محتمل، كذلك جرى تعزيز القوات البحرية لكل من رومانيا وبلغاريا، وتكثيف الجهود من أجل السماح لـ(جورجيا) بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى منح (أوكرانيا) المزيد من الدعم السياسي والعسكري.

– المسألة أو الركيزة الثانية: هي تطوير العلاقات مع جميع البلدان الواقعة في منقطة البحر الأسود، وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الدفاع التركي (عصمت يلماز) إلى أوكرانيا وأدت هذه الزيارة إلى اتفاق جديد بين الدول الموجودة على البحر الأسود مع ملحق تفصيلي حمله معه (يلماز) حول مجالات التعاون العسكري حتى عام 2020 وقد سبق هذا الاتفاق زيارات عديدة خلال هذا العام أكدت عزم تركيا على الوقوف إلى جانب أوكرانيا في خلافها مع روسيا.. كذلك عقد اجتماع لوزراء دفاع أذربيجان وتركيا وجورجيا نوقش فيه اتفاق عسكري بعدما اكتسبت مشكلة (ناغورني كاراباخ) طابعاً ساخناً مع أرمينيا.. ومن ضمن بنود هذا الاتفاق إجراء مناورات مشتركة.

باختصار، إن السلطان العثماني أردوغان الطامح إلى أن يصبح خليفة للمسلمين في المنطقة كلها، لم يكتفِ بما فعله وقام به في سورية والعراق وليبيا ومصر من تدمير وقتل للأبرياء عبر دعمه للمجموعات الإرهابية المسلحة، إضافة إلى سرقة النفط السوري والعراقي ومعامل حلب بالتنسيق مع الإرهابيين، بل هو يسعى إلى جر حلف (الناتو) للصدام مع روسيا، وهو من خلال سياسته الهوجاء هذه وطموحاته لإعادة مجد أجداده العثمانيين، يصب الزيت على النار، فهل ستنجح سياساته المتهورة؟

العدد 1105 - 01/5/2024