الضمان الصحي داء أم دواء؟

 المجتمع كالجسد إذا اشتكى منه عضو تتداعى له باقي الأعضاء بالسهر والحمى، نحن لا نحتاج إلى ضمان صحي بقدر ما نحتاج إلى صحة للضمان والثقة من خلال المعطيات على أرض الواقع لأن العقل السليم في الجسم السليم…

فالضمان الحقيقي للصحة هو أولاً وقبل كل شيء ضمان الحقوق الاقتصادية للطبقة العاملة بكل أشكالها.. فالضمان الاقتصادي وتحقيق الوفرة والعدالة في الأجور كفيل بأن يجعل الضمان الصحي في قمة عطائه بشكل تلقائي… والتأمين الصحي هو علاقة إنسانية قبل كل شيء بين الرئيس ومرؤوسيه، بين رب العمل وعماله الذين هم حجر الأساس في كافة الحقول الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

النقد على مر العصور هو نقد بناء وهناك من يفهم النقد انتقاصاً من قيمة الشيء؛ لكن في الحقيقة النقد أو الجدل هو جوهر الشيء، فالنقد هو الحالة الطبيعية التي يجب أن تقوم عليها الظاهرة المدروسة في حالتها غير الطبيعية.

 لذلك من الأهمية بمكان التذكير بأن التأمين الصحي للمؤسسات الحكومية السورية ما زال يقدم خدمات صحية لمواطنيه، وهو القطاع الأكثر عملاً خلال ست سنوات مضت من عمر الحرب وأثبت فاعليته في هذه المرحلة؛ ولا تزال سورية من أوائل الدول التي تدعم هذا القطاع الصحي وتقدم خدمات طبية مجانية؛ كالمعاينة وبعض الفحوص المخبرية والتصوير الإشعاعي وتقديم خدمات علاجية مجاناً.. والكوادر الطبية السورية العاملة 24ساعة نرفع لهم القبعات لجهودهم الإنسانية و لواجباتهم الوطنية التي لا تقدر بثمن.. ولكن هناك نقاط مفصلية لم يركز عليها لا أصحاب القرارات، ولا القائمون على تطبيقه من لجان المشتريات واللجان التي تنصب نفسها بالاشتراك والتنسيق لتلف معدات صحية على أنها منتهية الصلاحية من أجل الحصول على أموال غير مشروعة واختلاسها، متلاعبين بسلامة المواطنين من خلال تعميق الجراح ورش الملح عليها… وهناك بعض ملفات فساد في المشافي قاموا بتضميدها بالشاش حتى لا نرى رجس ورم سرطان أعمالهم.

 مجموعة من الأطباء كانوا يبيعون مستحضرات طبية(أكياس تغذية) لصيدليات بالقرب من المستشفى ويطلب من مرافقي الجرحى أن يشتروها من الخارج بحجة عدم توفرها  داخل المستشفى بسبب الضغط وزيادة الطلب عليه… والموظف الذي يدفع ضمانات صحية وتقتطع من راتبه شهرياً عندما يحتاج إلى دواء من صيدلية متعاقدة مع التأمينات إن وجدت لا يجد فيها إلا جزءاً من أنواع الأدوية يشملها الضمان والباقي لا يشمله.. والموظف المؤمّن عليه صحياً من قبل المؤسسة التي يعمل فيها، ويدفع الرسوم التي تقتطع من معاشه الذي ينازع من أجله، عندما يحتاج إلى عمل جراحي، إذا زادت فاتورته عن حد معين، تخرج الفاتورة خارج نطاق غرفة عمليات الضمان والتأمين الذي لم يأمن منه، وتدخل أسرة المريض غرفة الإنعاش لتنعشه.

نطلب إعادة النظر بالتعامل مع جرحى الجيش العربي السوري ودعمهم بشكل أكبر مادياً ونفسياً بما يليق بما قدموه من تضحيات بأغلى ما لديهم، ومنع المسؤولين والوسطاء من سرقة المعونات والمعدات والمساعدات، واستغلالها، قبل أن تستقر في جيوب من يسرقونها! ارحموا من هو مريض يرحمكم الله الشافي المعافي…

وكثير من الصيدليات أصبحت تتاجر بآلامنا بعيداً عن الإنسانية كل البعد، فالارتفاع الجنوني في أسعار الدواء والأرباح التي تتجاوز عتبة 70%من قيمة المنتج الفعلية، زادت جراح المواطن السوري وفاقمت آلامه ومعاناته. ويبقى السؤال هل الضمان الصحي دواء أم داء؟

كيف لنا أن نتحدث عن ضمان صحي وهناك من يحتاج إلى ضمان أخلاقي وضمان إنساني – وتأمين للضمير الذي لا يشمله مرسوم ولا عفو ولن يشمله عفو الله؟ وعفا الله عنا وعنكم!

كل الرحمة لشهدائك سورية والشفاء العاجل للجرحى.

العدد 1105 - 01/5/2024