بشير .. يا شهيد الفكر والشعر!

 أخي بشير، يا شهيد الفكر والقصيدة! هزّني نبأ اختطافك ونجلك إياس منذ أكثر من شهرين. وتوقعت أن يقتلوك، لأني أعرف أن وطنيتك ومبادئك وقصائدك ستكون مثل السكاكين في صدور هؤلاء الجهلة الظلاميين الذين لا يعرفون إلا القتل والذبح، وأنك لا تملك سوى القلم والقرطاس، وأنك لن تهادن ولن تساوم حتى لو كان الثمن حياتك وحياة ابنك. فقد عرفتك منذ ثلاثين عاماً.. طيباً كالأطفال، صلباً كأشجار التوت على ضفاف الفرات، في الدفاع عن رأيك وموقفك، في الأمسيات الأدبية التي كنا نلتقي فيها نسمع أشعارك، ونناقش قضايا الناس وأحوالهم.

كنت تصغي لانتقادات الأصدقاء رغم اختلافك معهم، وتقاوم ضغوط الأعداء ومضايقاتهم… لم تتردد، ولم تتراجع، ولم تراوح في المكان، واصلت الطريق الذي اخترت، فكتبت القصائد والمقالات التي فاضت عبقاً وعشقاً للوطن وأهل الوطن، ممزوجة بفكر نيّر وإخلاص لا متناهٍ للمبادئ والأفكار، منحازاً إلى فقراء الوطن ومعذّبيه، حالماً بمستقبل أفضل، صبرت وصمدت وزاحمت أسماء من سبقوك وتحدّوك حتى استطعت خلال سنوات قليلة فرض حضورك، ومشروعك وأسلوبك. كنت كاتباً وشاعراً ومناضلاً، تنثر قصائدك وأفكارك في المراكز الثقافية على مستوى الوطن، ممزوجة بحب الفرات وعذوبة نهر الفرات،  ورجولة أهل الفرات وشيمهم.

كنت أديباً تنشر مقالاتك في الصحف والمجلات، ومنها جريدة (النور) التي أحببتها وأصبحت مراسلها لعدة سنوات، تنقل من خلال صفحاتها هموم الناس وتنتقد الأخطاء وتسلط الضوء على مكامن الخلل والفساد.

وأنتِ يادير.. أيتها المدينة الجميلة الحزينة المحاصرة، الصامدة الصابرة، هل أصبح موت أبنائك، شعرائك، وكتابك، شبابك وأطفالك، قاماتك وبسطائك قتلاً وغدراً وجوعاً، قدرك المحتوم، وما عليك إلا أن تثكليهم وتبكيهم واحداً بعد الآخر.. ألا يكفيك حزناً، ألماً ودمعاً ودماً؟ ماذا أقول لك يا مدينتي الجريحة، وماذا أقول لك ياوطني الحزين؟… لقد جاءك الظلاميون المتوحشون من كل أصقاع الأرض، جاؤوا لقتل كل رائع وجميل فيك، جاؤوا لحرق أشجارنا، وكتبنا، وتدمير بيوتنا، وبلادنا، وشامنا.

ماذا أقول في رثائك يا صديقي وأنا لست ممن يملكون ناصية الشعر والأدب؟ وماذا أقول لمن قتلك وقتل من سبقوك من كتاب وشعراء وأنا لا أملك الأسلوب والبلاغة.. غير كلمات استعرتها من قصيدة(لا تسقطوا الشام.. أيها البقر)، للشاعر الفلسطيني أحمد حسن المقدسي:

لا تقتلوا الشام، إن الشام روضتنا

دون الشآم يموت الضوء والقمر

لا تذبحوها فهذي الشام لوحتنا

لولا الشآم لمات الشعر والحور

يا شام صبراً، فإن الغدر دينهم

كم مرةٍ لتراب القدس قد غدروا!.

أذكر يا صديقي كلماتك عندما جئتني بعد استشهاد زميلك شقيقي الأديب إبراهيم خريط، وقلت لي حينذاك: (الشهداء لا يحتاجون إلى عزاء)!

نعم، رفيقي بشير..الشهداء لا يحتاجون إلى عزاء، لن أعزي باستشهادك، لأنك لم ولن تموت، وروحك باقية تفوح عطراً من كلمات قصائدك، باقية… بقاء الشام وأهل الشام.

العدد 1105 - 01/5/2024