أردوغان يقرع البوابة الروسية.. لماذا؟

 إن المتتبع لتطورت الأزمة بين روسيا وتركيا، التي افتعلها أردوغان لتحقيق أطماعه وأحلامه الشخصية، خاصة بعد أن تجاسر على إسقاط المقاتلة الروسية (سوخوي) في خريف العام الماضي، يلاحظ أنه قد أخذ بعد فترة قصيرة من الحادث المذكور يستجدي روسيا والرئيس بوتين بالذات بشأن عودة العلاقات بين موسكو وأنقرة إلى طبيعتها. وعلى سبيل المثال استغل أردوغان مناسبة العيد الوطني لروسيا في شهر أيار الماضي، وبعث برسالة تهئئة إلى الرئيس بوتين متمنياً فيها تصحيح العلاقات وانتقالها إلى المستوى اللائق حسب وضعه. والسؤال ما هي دوافع الجانب التركي لاستئناف العلاقات مع روسيا؟ بالطبع يتعلق الأمر بعدة عوامل سياسية واقتصادية وعسكرية أهمها:

– إن موسكو قد تستخدم الورقة الكردية داخل سورية أو داخل تركيا نفسها ضد أردوغان، وهذا ما يخشاه إلى درجة كبيرة.

– غضب أنقرة الشديد من موقف واشنطن تجاه الأزمة السورية ودعمها العسكري المباشر لقوات (سورية الديمقراطية) التي يغلب الأكراد على تركيبتها.

– العقوبات الاقتصادية التي فرضتها روسيا على تركيا في أعقاب حادثة إسقاط الطائرة أثرت تأثيراً سلبياً كبيراً على قطاعات اقتصادية تركية متعددة منها: السياحة والبناء والصادرات التركية الغذائية. فقد تراجع عدد السياح الروس إلى تركيا بنسبة تصل إلى أكثر من 80%، وذلك بعد أن كان عددهم قد وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين سائح، وهذا ما يُفقد تركيا نحو 3,5 مليارات دولار سنوياً من الإيرادات السياحية. كما تعرضت شركات البناء التركية العاملة في روسيا للمزيد من العقوبات.. وتقول مصادر مطلعة روسية وتركية إن خسائر أنقرة لا تقل بأي حال من الأحوال في هذا المجال عن 15 مليار من الدولارات، ولهذا فإن العديد من رجال الأعمال الأتراك الذين اعتادوا على العمل في الأسواق الروسية يُظهرن امتعاضاً من سياسة أردوغان تجاه روسيا وما جرّته عليهم وعلى بلادهم من خسائر جسيمة، وهم لعبوا دوراً كبيراً في الدفع باتجاه بدء المصالحة بين تركيا وروسيا.

أما في الجانب العسكري فتركيا تعد أحد الخاسرين الكبار بسبب التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية وتغييره لموازين القوى، فقد أصبح المجال الجوي السوري مستعصياً على سلاح الجو التركي، وفي حال إغلاق الحدود البرية التركية السورية، وهو ما تطالب به، وتلح عليه روسيا، ستحرم تركيا إلى حد كبير من لعب أي دور عسكري في الداخل السوري، لأنه منذ بدء الأحداث في سورية كانت تركيا هي (المتدخل) الأكبر في سورية عبر فتح حدودها للإرهابيين ليتدفقوا مع أسلحتهم إلى سورية بتسهيل من المخابرات التركية، هذا علاوة على ما نهبته تركيا من معامل حلب ونقلته إلى أنقرة وغيرها من المدن التركية، إضافة إلى اتجارها بالبترول السوري والعراقي المسروق وبيعه لإسرائيل وغيرها عبر الموانئ التركية.

 كذلك جاء تعليق العمل بخط أنابيب (السيل التركي) الجديد لنقل الغاز الروسي إلى تركيا ليمثل خسارة لتركيا، إذ إن أنقرة كانت تراهن على أن خط أنابيب نقل الغاز الروسي الجديد إليها وعبرها إلى أوربا، سيمنحها فرصة التحول مستقبلاً إلى وسيط كبير لبيع الغاز الطبيعي الروسي، حيث سيمر الغاز إلى الاتحاد الأوربي، ومثل هذا الأمر من شأنه أن يعطي تركيا شعوراً بالثقة الكبيرة في بعض الملفات تجاه الاتحاد الأوربي الذي تعمل أنقرة جاهدة للانضمام إليه.

أما الموقف الروسي من إعادة العلاقات بين موسكو وأنقرة فهو واضح، ذلك أن روسيا الاتحادية أكدت على لسان الرئيس بوتين في نهاية شهر أيار الماضي أثناء زيارته لليونان عن (رغبتها في استئناف العلاقات مع أنقرة)، مشيرة إلى أنها (تنتظر من الجانب التركي خطوات محددة) يعرفها الأتراك جيداً.

جدير بالذكر أن الكرملين يشترط لإنجاز المصالحة مع تركيا- وهو على حق- أن تعتذر أنقرة عن إسقاط الطائرة الروسية في خريف العام الماضي، وتدفع تعويضات محددة، وهذا ما رضخ له أردوغان مؤخراً عندما بعث برسالة إلى الرئيس بوتين قدم فيها الاعتذار المطلوب، وعزّى بالطيارين، تلا ذلك إجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين بوتين وأردوغان يوم 29/6/2016 ثم لقاء وزيري خارجية البلدين في سوتشي.

المهم أن أردوغان أذعن للشروط الروسية بعد أن ضاقت السبل في وجهه، وذهبت (عنترياته) مع الريح كما يقال.. والسؤال هنا: لماذا تأخر أردوغان بهذا الاعتذار لروسيا؟ الإجابة عن هذا السؤال جاءت على لسان أحد السياسيين المعارضين الأتراك، وهو زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كيلتشدار أوغلو معلقاً على سياسة أردوغان، عندما قال: (انظروا إلى سياسته الخارجية.. في البداية يجب أن تزأر كالأسد، ولاحقاً أن تموء كالقطة عندما لا تتجرأ على فعل شيء!).

العدد 1105 - 01/5/2024