كل شيء تود معرفته عن عملة البيتكوين

في عصر انتشر فيه الإنترنت، وأحدث ثورة ضخمة في جميع نواحي الحياة، كان تباعاً لهذه الثورة أن بدأت البنوك الإلكترونية والحركة المالية بالانتشار على الإنترنت، وأصبح لها تأثير كبير فى مجريات الأمور المالية في العالم الحقيقي، بشكل كبير, وظلت البنوك الإلكترونية مسيطرة على التعاملات المالية على الإنترنت، حتى صباح 3 كانون الثاني (يناير) من عام 2009 حين ظهر للوجود عملة جديدة لم تعهدها البشرية من قبل وهي عملة بيتكوين.

ولمن لا يعرف البيتكوين، هي عبارة عن عملة وهمية (افتراضية)، مشفّر،ة من تصميم شخص مجهول الهوية يعرف باسم (ساتوشي ناكاموتو) وتشبه إلى حد ما العملات المعروفة من الدولار واليورو وغيرها من العملات، ولكنها تختلف في أنها وهمية، أي تعاملاتها على الإنترنت وليس لها وجود مادي ومشفرة، أي لا يمكن تتبّع عمليات البيع والشراء التي تجري بها، أو حتى معرفة صاحب العملات, ولتبسيط آلية عمل هذه العملة دعونا نأخذ مثالاً بسيطاً.

كيف تعمل عملة البيتكوين؟

تخيل أنه يوجد غرفة بها كاميرات مراقبة تراقب كل صغيرة وكبيرة، وتسجله مدى الحياة، وبهذه الغرفة خمس حصالات شفافة بحيث يمكن رؤية القطع النقدية بداخلها بوضوح، وكل حصالة من الخمسة تعود ملكيتها لشخص يقف خارج الغرفة ومعه كود ليفتح الحصالة، وهذا الشخص أراد شراء شيء ما، فإذا به يذهب إلى التاجر ويأخذ منه كود الحصالة، ثم يدخل التاجر الغرفة ووجهه مغطى بحيث لا يمكن رؤيته، ويأخذ المال ويضعه في حصالته الموجودة في الغرفة نفسها ويخرج, وبذلك تكون هذه الكاميرات قد سجلت أنه تم نقل مبلغ وقدره كذا من الحصالة، ولكنها لا تعرف حصالة من أو إلى من ذهبت النقود.

ولكن لماذا البيتكوين؟

كل شيء له إيجابياته وسلبياته, وإيجابيات هذه العملية تتلخص في ثلاث جمل:

1- الرسوم المنخفضة والسرعة:

فبدلاً من الحاجة إلى وسيط بينك وبين التاجر لنقل المال، وهذا الوسيط يخصم نسبة من المال، مع وجود عملة البيتكوين، هذه العملية غير موجودة، لأن العملة لم تنتقل، بل كود العملة هو ما خرج من محفظتك ودخل إلى محفظة التاجر، وهذه العملية تتم بينك وبين التاجر دون وسيط وتسمى P2Pأو الند بالند.

2- السرية:

عمليات البيع والشراء لا يمكن مراقبتها أو التدخل فيها، وهذه نقطة إيجابية لمن يحب الخصوصية، كما أنها تقلل من سيطرة الحكومة والبنوك على العملة.

3- العالمية:

فهي لا ترتبط بموقع جغرافي معين، إذ يمكن التعامل معها وكأنها عملتك المحلية. وأهم شيء في هذه العملة أنه ليس لها (ضابط ولا رابط) إن صح التعبير، وذلك يلغى سيطرة البنوك المركزية على طبع الأموال الذي يتسبب بالتضخم وارتفاع الأسعار، والسبب الذى يجعل هذه العملة محمية من التضخم هو عددها المحدود، فقد وضع ساتوشي ناكاموتو خطة على أن يتم إنتاج 21 مليون عملة بحلول عام 2140، كما أن عددها المحدود أعطاها قيمة كبيرة في السوق، فبعد أن كان ثمنها يساوى 6 سنتات فقط، ارتفع إلى أكثر من 100 دولار، ثم هبت إلى حوالى 600 دولار، وسبب التغيرات الكبيرة المفاجئة هي أنها غير مستقرة بعد، ويمكنك متابعة سعرها على موقع coindesk.

و لكن من أين يحصل الناس على عملة البيتكوين؟

يحصل عليها الناس بعدة طرق، ولكن الطريقة الرئيسية هي عملية التعدين:

وعملية التعدين هذه تشبه عملية استخراج الذهب بالحفر في المناجم سواء بصورة فردية، أو على هيئة مجموعات، ولكن في عملية تعدين البيتكوين، تستبدل أدوات الحفر بأجهزة الكمبيوتر، وكلما زادت قدرة الجهاز على المعالجة، زادت قدرته على استخراج العملات بشكل أسرع، وبدل منجم الذهب يوجد برنامج لحل معادلات معقدة تحمل في طياتها أكواد العملات، ومن يجد كود العملة تصبح هذه العملة ملكه، وهناك الكثير حول العالم من أصبحوا مهووسين بهذه العملة وحجزوا سيرفرات كاملة تعمل على مدار اليوم لحل المعادلات واستخراج العملات.

وبالرغم من أن هذه العملة وهمية، إلا أن بعض الشركات مثل شركة Titan Bitcoinتعمل على خروج هذه العملة إلى الواقع، على هيئة عملات معدنية تحمل القيمة نفسها وتحمل IDمتكون من أرقام ولكن ذلك يفقدها أهم مميزاتها وهي السرية والسرعة والرسوم المنخفضة .

أما سلبيات هذه البيتكوين، فتكمن في بعض أهم مميزاتها:

أول سلبياتها هى سرية العملة وتشفيرها، فهذه كما أنها ميزة، إلا أنها تنعكس ببعض السلبيات في أنها تعطي بعض السهولة للعمليات المشبوهة على الانترنت وبخاصة فى الشبكة العميقة، وأفضل مثال هو موقع silkroadالذى كان يتاجر بالمخدرات، ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن هذا الموقع كان في بداية عمر العملة، كما أن إغلاقه لم يشكل خطراً كبيراً على العملة لكنها تظل مشكلة.

أما الثانية فهي شكوك حول عملية التعدين فلا أحد يعرف ما هي المعادلات التى يقوم الجهاز بحلها مما جعل البعض يشك فى وجود منظمة تعمل في الخفاء لحل معادلات قد تحتاج إلى مئات السنين في وقت قصير، عن طريقة تجزئة المعادلات على السيرفرات لكنها تبقى مجرد شكوك.

و الثالثة فهى في هوية ساتوشي ناكاموتو غير المعروفة، فلا أحد يعرف ما إذا كان رجلاً أم امرأة، أم مجموعة من الأشخاص، كما لا نعرف كم تمتلك هذه الشخصية من العملات، فإذا كانت دولة ما تتخفى خلف هذه الشخصية، وتملك النصيب الاكبر منها فسيتسبب ذلك في تغير مراكز القوى على الخريطة .

كما يجدر الذكر أيضاً، أنه ليس كل الاقتصاديين والخبراء يقفون في صف هذه العملة، فالبعض يملك مخاوف من أنها مجرد فقاعة وسوف تنفجر، وتحدث معها أزمات اقتصادية.

وفي النهاية سبب كتابتي لهذا المقال ليس لإشهار هذه العملة أو التحفيز على شرائها، بل التحذير من الإقبال عليها بشدة أو تجاهلها بشدة.

وفى ظل التضخم الاقتصادي الحاصل في العالم، بسبب الإفراط في طباعة النقود الورقية، جعل من الانهيار الاقتصادي مسألة وقت لا أكثر، لذلك قد تكون هذه العملة بجانب الذهب هما الملاذ الأخير للنجاة، فكل ما أتمناه هو أن يبدأ العرب في الانتباه إلى هذه المشكلة والتجهيز لها، حتى لا نتكبد نحن وأولادنا عناء هذا التجاهل، وليس بالضرورة أن تكون بهذه العملة.

العدد 1105 - 01/5/2024