بطالة..ونقص عمالة؟!

 في عام 2010 بلغت نسبة البطالة في سورية، حسب الأرقام الرسمية، 6,8% إلا أنه بسبب ما اصطلح عليه أخيراً بالحرب في سورية وعليها ونتيجة ارتفاع أعداد المنشآت الانتاجية والخدمية والمرافق العامة والبنى التحتية التي جرى تدميرها وإخراجها من الخدمة والإنتاج،

وما رافق ذلك من زيادة أعداد العاطلين عن العمل والنازحين والمهاجرين من سورية إلى مختلف أصقاع الأرض قريبها وبعيدها، والتي تركزت بشكل أساسي بين العاملين والسكان في سن العمل، فإن نتائج الدراسات والمسوح التي تقوم بها بعض مركز الأبحاث والدراسات المحلية والإقليمية والدولية،
 وكذلك بعض المحللين الاقتصاديين والاجتماعيين المحليين، تشير إلى ارتفاع كبير في نسبة البطالة في هذه الأيام، على الرغم من تباينها بشكل واضح، فهي تتراوح بين 20% و40% وحتى 53% وأكثر…
الحديث عن ارتفاع البطالة بالنسب التي ذكرناها يترافق مع ظاهرة أصبحت مألوفة، ونراها في أسوقنا ونسمعها من مختلف رجال الأعمال والصناعيين، عن النقص الكبير في اليد العاملة، وانتشار الإعلانات في واجهات المحلات وغيرها عن الحاجة إلى عاملين ذكور.
وفي أحد الاجتماعات المختصة بمناقشة فرص العمل في سورية، أعلن رئيس مجلس إدارة مدينة عدرا الصناعية أن المعامل العاملة في هذه المدينة بحاجة فورية إلى 5000 عامل.
 ونسمع كلاماً مشابهاً من صناعيين في حلب ما زالوا يتريثون في إعادة تشغيل منشآتهم لأسباب عديدة في مقدمتها نقص اليد العاملة.
نقص اليد العاملة أدى إلى زيادة الاعتماد على الإناث والأطفال والمتقاعدين والراغبين بعمل إضافي ثانٍ وحتى ثالث يومياً، لسد الفجوة الهائلة بين الأجور والأسعار من ناحية، وتلبية ما يمكن من الحاجة إلى اليد العاملة من ناحية أخرى.
لكن ذلك لم يفِ بالغرض المطلوب كما يجب، فهناك أعمال لا تستطيع الإناث والأطفال والمتقاعدون القيام بها في العديد من المنشآت الصناعية، بسبب الوزن أو أوقات العمل ومكانه أو بسبب طبيعة المجتمع، فما هو مقبول في دمشق والسويداء وطرطوس مثلاً بالنسبة لعمالة النساء في بعض المهن ليس مقبولاً في محافظات أخرى وهكذا.
عدة محاولات جرت للتغلب على ما يمكن من هذه المشكلة، بدءاً باقتراح البدل النقدي الداخلي وصولاً إلى الاستفادة من العمالة الفائضة في شركات القطاع العام إلا أنها لم تفلح حتى الآن، وبالتالي تبرز ضرورة البحث عن حلول ممكنة أخرى.
ومع استبعاد استيراد عمالة خارجية فإنه ليس هناك سوى النازحين داخلياً وخارجياً بتأهيلهم لسد هذا النقص وتوفير الظروف المناسبة لتشجيعهم على العودة.
والمسألة ليست سهلة بالتأكيد خاصة أن عدداً من النازحين في بعض مراكز الإيواء ومخيمات النزوح أصبحوا يكتفون أو يفضلون العيش على المعونات المقدمة إليهم عوضاً عن القيام بعمل ما أو التدريب على عمل جديد.
مما لا شك فيه أن قسماً كبيراً من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها حالياً ترتبط بالتوصل إلى حل سياسي للحرب في سورية وعليها، لكن ذلك لا يعني بشكل مطلق الانتظار لحين تحقيق ذلك بشكل كامل، وإنّما العمل والتحضير منذ الآن وبشكل متدرج وقدر الإمكان لخلق البيئة المشجعة لعودة النازحين داخلياً وخارجياً،
 والتعاون مع مختلف المنظمات والجمعيات الأهلية والاتحادات والغرف المعنية على تدريب هؤلاء النازحين وتأهيلهم وتشجيعهم على ذلك، وهو ما يتطلب أيضاً من الجهات الحكومية المعنية توفير الظروف المساعدة على ذلك، وتبديد المخاوف التي تجعل هؤلاء النازحين يترددون في العودة إلى بلادهم،
 لأنه من غير المقبول أن يجري استقدام عمالة أجنبية مهما كان مستواها وأبناء البلد الأصليون يعيشون خارجها في مخيمات الذل والهوان.

يبقى موضوع الحديث عن ارتفاع نسبة البطالة في سورية، وازدياد الحاجة والطلب على اليد العاملة فيها، بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتحليل لفهم التناقض بين الحالتين ومعالجته.

العدد 1107 - 22/5/2024