حملات المقاطعة الاقتصادية.. لنفعّلها اجتماعياً!

بدأت بعض صفحات التواصل الاجتماعي مؤخراً بالترويج لحملات مقاطعة بعض المنتجات الأساسية التي يعتمد عليها المواطن السوري في معيشته، وذلك في مواجهة الارتفاع الجنوني الذي تشهده أسعار هذه المنتجات متأثرة بارتفاع الدولار، كما يزعم تجار السوق الذين حولوا تجارتهم سوقاً سوداء لجمع أكبر كمّ من الأرباح على حساب المواطن السوري الكادح الذي لم يعد يستطيع العيش بأبسط حقوقه الإنسانية التي منحه إياها الدستور والقوانين، في ظل غياب الرقابة التموينية ولجانها عن الأسواق.

السؤال الذي نطرحه هنا: هل المقاطعة الاقتصادية لسلعة ما ناجحة في فرض سلطة المواطن على السوق ورؤوسه من التجار الذين يعملون بتوصيات الحكومة؟

المقاطعة الاقتصادية المحلية هي رفض منهجي وامتناع طوعي عن استهلاك منتجات شركة أو سلعة ورفض إقامة أي علاقة اقتصادية وصلة معها، للضغط عليها أو إرغامها على الاستجابة لمطالب محددة، كتخفيض التسعيرة أو المساهمة في فعاليات اجتماعية وإنسانية وغيرها. وإذا عدنا إلى تجارب الدول المتقدمة في المقاطعة الاقتصادية للمنتجات والسلع والشركات وغيرها التي تقوم بها الجمعيات الأهلية وتروجها عبر الإعلام ووسائل التواصل ويتفاعل معها المواطن متضامناً لوجدنا النتائج إيجابية ومرضية.

المقاطعة سلاح المواطن الفعال في كسر أسعار السوداء

تعتبر المقاطعة الاقتصادية سلاح ردع فعّالاً في مواجهة الآخر وتطويع إرادته وإجباره على التنازل، تجنّباً لما قد يلحق به من أضرار اقتصادية كبيرة، كتراجع في حجم المبيعات وهذه ينتج عنها آثار اجتماعية واقتصادية وغيرها. ولكن حجم تأثير المقاطعة يبقى مرتبطاً بالقدرة على تفاعل المواطنين معها على نطاق واسع، كما تحتاج إلى نفَس طويل، ويجب ألا ننسى الطرف الذي نقوم بمقاطعته ودراسة قوة صموده وقابليته للرضوخ. كما تعتبر المقاطعة تعبيراً عن موقف وقناعة وشكلاً من أشكال الاحتجاج والنضال السلمي ضد قوانين ظالمة أو تسعيرة معينة لسلعة ما أو لشركة وغيرها.

في الوضع المعيشي السيئ جداً للمواطن السوري بسبب سياسة التسعير التي لا تتناسب مع دخل الفرد، والتلاعب الحاصل من قبل مجموعة من التجار المحتكرين للاستيراد وللمواد الغذائية الأساسية للمعيشة، بدأت بعض الحملات الشخصية من قبل أفراد بنشر ثقافة مقاطعة المنتجات الغذائية التي يرتفع سعرها ارتفاعاً جنونياً والمرتبطة بسياسة الدولار وبورصة السوق السوداء، وقد شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً حاداً جداً، ولكن هذه المبادرات لم تحقق ولو جزءاً بسيطاً من غايتها، لأسباب كثيرة، أولها عدم وجود الرعاية لها من قبل جمعيات أهلية مخصصة بحماية المستهلك ترعاها وتسهم في انتشارها، إضافة إلى غياب دور الإعلام التنموي الذي يعتبر الأساس في نشر ثقافة التنمية المجتمعية للموطنين ليكونوا قادرين على المشاركة في العملية الاقتصادية والاجتماعية بما يخدم مصلحتهم ويضمن حقهم في العيش وفق القوانين والأنظمة ومواجهة تجار السوق والمتلاعبين بلقمة عيشهم.

لذلك يجب العمل على تفعيل دور الرقابة الشعبية على السوق، بمقاطعة المنتجات التي ترتفع بشكل غير منطقي، فعندما يبدأ المواطن بتقليل عمليات الشراء للسلع التي تشهد ارتفاعاً، وصولاً إلى مقاطعتها، فإن ذلك يمكنه أن يسهم بتخفيض أسعارها من قبل التجار والمحتكرين لها مما يحافظ على العملية الشرائية ويضمن القيمة الشرائية للعملة الوطنية، ويحافظ على قوتها في السوق، فالمقاطعة ليست كما ينظر إليها البعض بالسلبية والتحريض والفوضى وما شابه ذلك، بل هي ضمان للمواطن وحماية له في ظل غياب دور الرقابة الحكومية على السوق.فمثلاً البيض الذي شهد ارتفاعاً في الفترة الأخيرة ووصل سعر البيضة إلى 40 ليرة سورية، لو قام المواطن بمقاطعة البيض والتخفيف من شرائه لزاد العرض في السوق بسبب قلة الطلب، مما يدفع تجار البيض إلى تخفيض السعر لبيع المادة حتى لا تتلف، وكذلك الحال بالنسبة للمياه الغازية التي شهدت ارتفاعاً غير منطقي فوصل سعر العبوة (سعة ليترين وربع) إلى 500 ليرة سورية وأكثر، لو قاطع المواطن السوري المنتجات الغازية وأضرب عن شرائها لانخفض سعرها، فخسائر المنتج والتاجر اليومية تكون بمئات الآلاف نتيجة المقاطعة الشرائية للمنتج.

فلنفعّل ثقافة المقاطعة الاقتصادية في مجتمعنا السوري، فهي ضمانتنا لحماية عملتنا الوطنية، وضمانة المواطن لحماية لقمة عيشه وأمنه الغذائي.

العدد 1107 - 22/5/2024