أسعار مشتقات الحليب ترتفع مجدداً..لدينا مليون رأس بقر.. وما زلنا نستورد الألبان والأبقار!

ربما أصيب حليب الأبقار والماعز بعدوى ارتفاع سعر الصرف بدلاً من أن تخضع لسعر صرف الحليب، فقد شهدت أسعار الحليب ومشتقاته مؤخراً أسعاراً قياسية، في معظم الأسواق وخاصة في دمشق وريفها، إذ وصل سعر كيلو الحليب الخام إلى 160 ليرة بالجملة، وبلغ سعر نصف كيلو اللبنة نحو 300 ليرة مرتفعاً نحو 50 ليرة عن سعرها الشهر الماضي، وهي في ارتفاع مستمر، في حين بلغ سعر علبة اللبن التي يجب أن تكون بوزن 2 كيلو غرام، إلا أنها في الحقيقة لا تتجاوز 1800 غرام، نحو 400 ليرة، أي بارتفاع لا يقل عن 50 ليرة مقارنة مع سعرها الشهر الماضي، كذلك كيلو الجبنة البلدية لا يقل حالياً عن 900 ليرة، ومن المعروف أنه خلال الفترة الحالية يبدأ موسم المونة الخاصة بمشتقات الحليب سواء الأجبان أو وجبة (الكشك) المعروفة لدى أغلب المواطنين.

في الحديث عن أسباب ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته، أوضح رئيس جمعية مشتقات الحليب في دمشق وريفها عبد الرحمن الصعيدي في تصريحه لـ(النور)، أن الحليب الخام سعره اليوم 160 ليرة، ومن المعلوم أننا نحتاج إلى خمسة كيلوغرامات ونصف الكيلو حليباً لتصنيع كيلو جبنة من حليب البقر. ونبه إلى أن الأسواق اليوم تشهد تصافي موسم حليب الغنم وأسعاره مبيع جملة 800 ليرة ويباع بـ900 ليرة بالمفرق، ولا يخفى على أحد ارتفاع أسعار كل المواد الغذائية (السكر والزيت والسمن) وهذه المواد لا تندرج ضمن اختصاصنا ونشاهد ارتفاعات خيالية في أسعار تلك السلع، والكل يقول: (حسب سعر الصرف)!

وأشار إلى أن أسعار الألبان والأجبان ومشتقاتها بدمشق وريفها تخضع لسعر الحليب الخام، وهذا ليس عليه خلاف، ولكن هناك دائماً جدول تكاليف، فالدراسة تبدأ من سعر الحليب وتكاليف التصنيع وأجور النقل والتبريد، وبموجبها تصدر التسعيرة. ولفت إلى أن الانخفاض في الأسعار بالنسبة للألبان والأجبان يأتي دائماً في موسم الربيع من كل عام (شهري آذار ونيسان) وفيهما وفرة من حليب الأغنام.

نستورد الألبان.. والأبقار أيضاً!

الغريب بعد عرض السابق، أننا نستورد الألبان وأيضاً الأبقار، بالرغم من أن أرقام وزارة الزراعة التي سنعرضها لاحقاً تشير إلى عدم وجود أي نقص في أعداد الرؤوس، وهو ما يناقض أقوال جمعية مشتقات الحليب واتحاد غرف الزراعة.!!..وهنا لا بد من أن نذكر بأنه رغم ما يقال بأن الحليب ومشتقاته حالياً قادر على تلبية احتياجات السوق المحلية، إلا أننا نجد في أسواقنا ألباناً مستوردة وهي صناعة سعودية، أي يصرف عليها قطع أجنبي، مع الإشارة إلى أن جمعية الألبان والأجبان ذكرت سابقاً، أن حجم الإنتاج من الحليب ومشتقاته قادر على تغطية السوق المحلية ولا حاجة للاستيراد، كما أن الاستيراد قد يعرّض هذه المواد للتلف لأن المسافات بعيدة. وللتذكرة فقط، فقد أشار أحد الخبراء خلال عام ،2014 إلى أن خسائر الاقتصاد السوري بسبب انخفاض إنتاج الحليب، تقدر بأكثر من 100 مليار ليرة سنوياً، أي الرقم تضاعف حالياً أكثر من ذلك.

ومؤخراً ذكر المصرف الزراعي التعاوني أنه أعلن عن مناقصة لاستيراد أكثر من 5 آلاف رأس من الأبقار لتعزيز الثروة الحيوانية في سورية، مع الإشارة إلى أن سعر البقرة حالياً بلغ في أسواقنا المحلية نحو مليون ليرة، ولكن جاءت هذه المناقصة وغيرها من الإجراءات التي أعلنت عنها وزارة الزارعة سابقاً، لترميم أعداد رؤوس الأبقار التي انخفضت بنحو 60% وفق ما ذكرته جمعية مشتقات الحليب في دمشق وريفها سابقاً، فقد كان في المليحة نحو 6 آلاف رأس بقر، وفي دوما نحو ألفي ورشة لصناعة الحليب، ولكن معظمها أغلقت وانعكس ذلك على الأسواق، مع الإشارة إلى أن مبررات السعي لاستيراد أبقار(الفريزيان) تتمثل في الحصول على عروق صافية، وقد جرى خلال العام الحالي استيراد 200 رأس بقر من هولندا وزّعت على المكتتبين، وهي تعتبر خطوة لم تتخذ في سورية (استيراد الأبقار) منذ نحو 30 عاماً أي منذ عام ،1986 ذلك أن هذا النوع من الأبقار يساهم بشكل كبير في تعويض النقص في سوق الألبان بشكل عام، إذ يبلغ إنتاج البقرة الواحدة من 30 إلى 50 كغ في اليوم، بينما يبلغ إنتاج الأبقار المحلية نحو 10 كغ تقريباً، وذلك وفق ما أكده رئيس اتحاد غرف الزراعة مؤخراً.

والغريب هنا كيف لا يمكن الاعتماد على الأبقار المحلية في تغطية أسواقنا بمنتجات الحليب حالياً.. وكيف كنا نغطيها سابقاً؟ وماذا عما أعلنته جمعية مشتقات الحليب؟.. نعتقد أن التناقض بالمعلومات كبير.

فوارق كبيرة بالأرقام..وخسائر

ولكن في حال ألقينا نظرة إلى ما صرحت به وزارة الزراعة، فإننا نجد أن أعداد الثروة الحيوانية في سورية لم تتناقص أبداً بل زادت، حتى أن إنتاج الحليب لم يتناقص بل معظم مشاكل الإنتاج تتعلق بالتسويق بين المحافظات، وهذا ما تراه وزارة الزراعة سبباً للفوارق الكبيرة بين الأسعار التي تكون بين مناطق الإنتاج والاستهلاك، ففي حال ذهبنا إلى التقارير الخاصة بتطور أعداد الثروة الحيوانية سنجد أن عدد قطيع الأبقار وللمفارقة طبعاً ارتفع خلال الأزمة، فقد سجلت بيانات الزراعة 1,1 مليون رأس من الأبقار في عام 2011 في حين زاد عدد القطيع في عام 2015 ليصبح 1,2 مليون رأس، كذلك سجل قطيع الأغنام زيادة بمقدار مليون رأس جديدة وبلغ عدد القطيع في بيانات الوزارة 18,1 مليوناً في 2011 وأصبح 19,2 مليوناً بعد أربع سنوات في عام ،2015 أما قطيع الماعز فلم يتأثر في جداول الزراعة بجميع الظروف المحيطة سلباً أو أيجاباً، فهو لم يتراجع ولم يتطور وبقي عدد القطيع نفسه 2,3 مليون رأس على مدار السنوات الخمس السابقة.

وقد سجل عام 2011 في بيانات الزراعة إنتاج 4,2 مليون طن من الحليب ونحو 4,2 مليون طن في نهاية عام 2015 وكذلك إنتاج اللحوم كان مستقراً لدينا في جداول وزارة الزارعة وبياناتها، فلم يشهد إنتاج اللحوم على مدى السنوات الخمس السابقة سوى تغيرات بسيطة وهامشية، إذ تطور الإنتاج من اللحوم الحمراء بواقع 30 ألف طن، وسجلت اللحوم البيضاء زيادة 2 ألف طن فقط، في حين تطور ناتج السمك لأكثر من الضعف، وسجل إنتاج مادة البيض معدلات شبه مستقرة على مدار سنوات الأزمة وبقي الإنتاج نفسه تقريباً بين الأعوام 2011 و2015 بقرابة 3,5 ملايين بيضة سنوياً. في حين نجد أن بيانات أخرى صادرة عن وزارة الزراعة خلال ،2015 تقول بأن خسائر قطاع الثروة الحيوانية وصل إلى نحو 28 مليار ليرة، وأشارت مديرية الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة أيضاً في تصريح سابق ليس ببعيد، إلى أن أعداد الأغنام بدمشق يبلغ 6323 رأساً والماعز 2869 رأس ماعز وهناك 11104 رؤوس بقر، و799 خيلاً.

ويلاحظ أن التفاوت في الأرقام ليس قليلاً، بل هناك تفاوت كبير بهذه الأرقام التي تخص حجم الثروة الحيوانية، ويبقى الأمر ربما للتقدير،(والضرب في الفنجان) عن أعداد الثروة الحيوانية.

لا شك أن الصعوبات التي تواجه قطاع الحليب ومشتقاته وخاصة التصنيع ربما دفعت وزارة الصناعة إلى وضع شركة ألبان دمشق ضمن قائمة المشاريع التي طرحتها للتشاركية مع القطاع الخاص، ولكن هنا لا بد من طرح سؤال: ألا يمكن لوزارة الصناعة أن تقوم بتوفير مستلزمات إنتاج هذه الشركة بدلاً من طرحها للتشاركية؟ ولماذا بلغت خسائر الشركة وفق ما نشر خلال 2015 نحو 557,58 مليون ليرة سورية؟… وأخيراً هل ستتحقق الجدوى من هذه التشاركية، وهل سنشهد إنتاجاً جديداً للألبان والأجبان المحلية ضمن أسواقنا والأسواق الخارجية؟. 

العدد 1105 - 01/5/2024