غفرانك سورية..وإليك المصير!

فلتغفري لنا يا أيتها الأم التي خذلها أبناؤها.. لتغفري أخطاءنا التي صارت خطايا.. التمسي لنا الرحمة من دمار أنفسنا واشتعال النيران في القلوب العمياء.. صلّي لأجل أولادك المتناحرين على شرفاتك المشرعة للضوء والشمس والتي حجبنا بشرورنا نورها وخبّينا قنديلها الأزلي الطهري.. تضرّعي للخطايا بالغفران والتوبة وجريان أنهار الحب في عروقهم بدل مستنقعات الدماء وشظايا الحقد ودمار الأرواح.. ادخلي نفوس أبنائك، وأشعلي بخور الغفران عساه يطرد نوازع الشياطين وتهالكات الجحيم الذي فاض بنا ومنا.. انذري نذوراً كي تحل عنا لعنة الكراهية والبغضاء والتحريض وتبادل الاتهامات.. أفيضي دموعك دموع الأم المقهورة.. عسانا ننهي اقتتالنا وسواد قلوبنا ونعود إلى أحضانك عودة الأبناء الضالّين إلى حضن أهلهم؟

لتكن لحظة نعود فيها جميعاً إلى الرشد وتحكيم العقل، فكيف لقلب أن يلفظ شرايينه، وكيف لشجرة الغار أن تنتشل جذورها فتزرعها في قاع المحيطات، وكيف للبحر أن يتنكر لملحه، فكذلك السوري.. كيف له أن يلفظ تاريخه.. وينتشل جذوره العريقة عراقة الأبدية.. ويتنكر لأمّ غذته الحب كما تغذي الآلهة السماوات بالبركات.

لا يصحّ إلا الصحيح في نهاية كل رواية وحكاية ونزاع.. الرهان ليس على السيف والبندقية ولا على الطائرات الحربية، ولا على المفاوضات التي فراغها وبلادتها أكبر من مضمونها، ولا على تركيا بأن تغلق حدودها لمنع العقول الديناصورية التكفيرية من العبور، ولا على طاولة المساومات الدولية، بل على عودة الأبناء للأبناء، والقلوب للقلوب، والأرواح للأرواح.. الرهان على أصل السوري الطيب النقي الطاهر الذي سيقلب المعادلة ويمحو الأحقاد المعدّة له خارجاً لتغلّف قلبه قبل أفكاره ولتحرض الأخ على أخيه من منطلقات وشعارات طائفية. الرهان هنا على نفض سموم الرياح الغريبة التي هبّت بالخراب والشؤم.. الرهان كل الرهان على تلك المسافة مسافة الصراع بين الحلم واليقظة بين الأسود والأبيض حيث ستكون سورية الأم المشادة في أعماقنا جميعاً كبيت صخري، مكان طاهر. هنا الرهان العودة إلى ذلك البيت الذي نرتاح فيه جميعاً ونحبه جميعاً ونواجه به أعاصير الخارج ورياح السموم القادمة من صحراء الجهل والحقد على كل ما هو إنساني.

إن اعترافات الندم والندب المتأخر فيما سيأتي من دمار على ما تبقّى من هويتنا، وصرخات المعذبين عبر دروب الأرض السورية والتأنيب لن تكون أكثر من أكاليل زهور ذابلة فوق أضرحة الشهداء ومظلومي الحرب. لنحقد على من جرّ قلوبنا للحقد الذي خُيّل لنا أننا دفنّاه في صحراء الجاهلية، فباغتنا رواسب تثار في لحظات.

الآن وليس بعد لحظات، فلينهض السوري الأصيل المتشرب بالحضارات المتغلغل بالأزمنة كتغلغل الله في قلب الأنبياء.. فلينهض ويمدّ روحه قبل يده للمصافحة.. وليشرع قلبه قبل بابه للحب.. وليزرع ويهدي الياسمين الذي منه ولد، وبه يحيا، وبرائحته يسجّى. لنعمل معاً على وضع مبادرات للمصالحة الوطنية الشاملة.. نحن المكتوون بالحرب والدمار والألم.. نحن المحكومون بالعيش معاً فوق أرض تشرّف كل من وطأ ترابها.. وشرب من مائها.

لقد نجحت عديد المبادرات الأهلية، وأرست حبال الود والعيش والأخوّة المشترك، وكانت أكبر تحدٍّ للإرهاب والحرب ونسيان الأحقاد، والمحافظة على سورية واحدة موحدة. سورية التي تتسع لنا جميعاً. ولنتوافق على مستقبل بلادنا العلماني الديمقراطي.. مستقبل يليق بنا جميعاً.. نصنعه بأيدينا، ونرسي دعائمه بالحب والعطاء.

العدد 1107 - 22/5/2024