2017 عام التعافي والانطلاقة..فهل يكون 2018 عام المواطن والعدالة الاجتماعية؟

من المؤكد أن أي قراءة لأي مجال في سورية يجب ألا ينظر فيها وفق مؤشرات وسياسات مثالية لبلد يمتلك كل الخيارات والأدوات للإدارة المجتمعية، فالإحاطة بالأزمة لا تعني انتهاؤها، وتداعياتها ستنعكس لسنوات طويلة، وهذه التداعيات تقلص الخيارات والبدائل.

انطلاقاً من هذه الرؤية سيكون تقييمنا الكلي بعيداً عن الجزئيات، فرغم استمرار معاناة المواطنين المعيشية لا يمكننا نكران جهود الأغلبية الحكومية التي بذلت، ولكن ضمن استمرار العقلية نفسها التي كانت قبل الأزمة وكانت مدخلاً لها. وقد كانت السمة الأكبر للعام الماضي عام 2017 هي التعافي الاقتصادي، بعدما أطلقنا على عام 2016 عام الاحتواء. فقد كان واضحاً التوجه العام نحو التقشف عبر السياسات والأدوات المالية والنقدية وعبر جدولة المستوردات بحيث تتجه نحو السلع الضرورية ونحو طاقات إنتاجية جديدة سواء في القطاع الزراعي أم الصناعي. ولكن هذا التحسن الاقتصادي لم ينعكس بشكل مناسب على معيشة المواطنين، فالتحسن الجزئي للمؤشرات الاقتصادية كان يفترض انعكاسها على معيشة المواطن عبر زيادة الرواتب والأجور، وخاصة بوجود الفجوة الكبيرة بين الدخل والأسعار، والتي بلغت فوق الـ 200 ألف ليرة وفق متوسط أجر 26 ألفاً، ومتوسط تكلفة معيشة لأسرة من 5 أشخاص حوالي 275 ألف ليرة سورية. وتوقع الخبراء اتخاذ الحكومة هذه الخطوة، خطوة أولى لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، فنسب الفقر كبيرة وفقر مدقع لأكثر من النصف، ولكن قلة الموارد من جهة وعدم استثمار الوضع الاقتصادي والعسكري على نحو أمثل جعل اتخاذ هذا القرار أمراً صعب التحقيق، في ظل تكرار مسؤولي الشأن المالي احتمالية ذلك لاعتبارات عديدة، فإطلاقنا على هذا العام عام التعافي والانطلاقة، كان من منظور ما كان يراهن  عليه طوال الحرب من ناحية الإسقاط الاقتصادي لتحويل سورية إلى دولة فاشلة، لكنّ هذا الرهان سقط، وقد كتبت الانطلاقة والتعافي برسائل وعناوين، ومنها معرض دمشق الدولي ومؤتمرات للاستثمار دلت على تزايد الأمن والأمان بفضل الجيش العربي السوري، وزادت الموارد الاقتصادية بتحرير الكثير من الأراضي، وبضمنها المناطق التي تحوي الآبار النفطية والغازية، ما انعكس إيجاباً على الطاقة وخاصة الكهرباء، وخفّت أغلب الأزمات فيما يخص الطاقة، وزاد الأمان على أغلب طرق النقل وأعيدت الحياة لأغلب المدن الصناعية، وحاولت الحكومة تلبية أغلب مطالب الصناعيين، لذا كانت انطلاقة مدروسة وإن لم تنعكس على مستوى معيشة المواطنين رغم تحسن سعر الصرف، وبقيت الفجوة كبيرة بين مستوى الدخول والمبلغ اللازم لتأمين مستلزمات المعيشة.

وكذلك فإنه رغم الحيوية والنشاط في إعادة تأهيل المناطق المحررة وإعادة الروح لها حسب الإمكانات والطاقات، ولكن لم نجد نياتٍ وأفعالاً واقعية لإصلاح القطاع العام وخاصة الإنشائي والصناعي، في ظل الحاجة الماسة لجهوده ولكل الطاقات الأخرى لإعادة الإعمار، إذ لا تزال بعض القوى تفرض رؤيتها على الحكومة بمعزل عن معاناة المواطنين وأزمة البلد، والأمثلة كثيرة على ذلك (تسعير الأسمدة قبل إعادة تقييمها وأسعار الأدوية، وكما حصل في استيراد القطاع الخاص للمازوت، رفع أسعار كقاطرة تضخمية، ومنها ما حصل بالإسمنت). ومن هذه الناحية كان نظام التسعير محابياً للقطاع الخاص وشكل ميزاناً لرفع الأسعار في فترة معينة. ومن دون إعادة النظر ببعض الأسعار من القطاع العام لن نجد تعافياً للأسعار بشكل عام، وهو ما لاحظناه بعد انخفاض سعر الصرف الذي لم يرافق بسلوكيات وإنما ترافق برفع رسوم وفرض ضرائب جديدة، ولكن  فعلياً متى دارت عجلة الإنتاج بدأ الاقتصاد يدخل مرحلة التعافي، وهو ما تحقق هذا العام بدليل زيادة حجم الإنتاج والصادرات، مع انخفاض حجم المستوردات، التي تشكل المواد الأولية ومدخلات الإنتاج حوالي 75% منها، ما يبين تحسن واقع القطاع الصناعي، الذي يعد مع الزراعي من القطاعات الإنتاجية الحقيقية، مع أهمية القطاعات الأخرى، لكنهما يبقيان الأهم، فهما الرافعان الأساسيان للاقتصاد المحلي.

وكانت السياسة التي انتهجها المركزي  اعتماده على المصارف العامة والحد من دور شركات الصرافة التي كانت متهمة سابقاً بالمضاربة على سعر الليرة وتوسيع نطاق السوق السوداء، التي تقلص دورها تباعاً وخاصة بعد قراره مؤخراً تخفيض سعر الصرف إلى حدود 430 ليرة، ما شكل صدمة للأوساط الصناعية والتجارية، التي استجابت للوضع الراهن نتيجة اطمئنانها للمتغير الجديد، الذي يصب في مصلحة قوة الليرة واستعادة عافيتها، وتالياً تحسين القدرة الشرائية للمواطن عند عكس ذلك على أسعار السلع، الأمر الذي لم يستجب له التجار فوراً بسبب عجز التجارة الداخلية عن وضع حد لاحتكارهم لها، وذلك لاعتمادها سياسة تسعيرية غير صحيحة، ما يفترض إعادة النظر فيها بغية تمكنها من فرض سيطرتها على الأسواق وإلزام التجار بقراراتها.

ولم تكن السياسة النقدية لمصرف سورية المركزي منذ بداية العام الماضي واضحة المعالم حتى الأشهر الأخيرة، إذ كان جل الاهتمام منصباً على سعر الصرف المتأرجح بين الارتفاع والانخفاض، وكيف السبيل إلى مواجهة مضاربي السوق والحفاظ قدر الإمكان على الاحتياطي الاستراتيجي من القطع الأجنبي، ولكن لم يُكتب للقائمين على المركزي حينذاك النجاح في مساعيهم، والسبب يعود إلى قرارات فتحت المجال أمام المواطنين لتحويل أموالهم بالليرة إلى قطع أجنبي وادخاره، أملاً بتنفيذ صفقات تحويل يجنون منها مرابح خيالية، وكان للانخفاض الحاد في سعر الصرف لحدود 400 ليرة في السوداء ومحاولة المركزي تثبيته بحدود 440 ليرة تأثير على القراءة لأهم المواضيع التي كان الرهان واضحاً عليها،  فبعد سيرورات سعر الصرف أصبح المركزي يملك الأدوات للتحكم بسعر الصرف، ولكن إصراره على سعر مرتفع دفعنا للتساؤل حول المبررات، وخاصة كان الرهان على تحسين سعر الصرف وضبط الأسعار ومنها الوقود لتحسين مستوى المعيشة من دون الانقياد لزيادة الرواتب، التي ضمن سلوكيات كهذه أصبحت ضرورية.

وبخصوص السياسة المالية سعت وزارة المالية لرفع المساهمة في إعادة الإعمار، من خلال رفع رسم المساهمة في إعادة الإعمار إلى 10% بعد أن كان 5%، وبرر كسلوك آني رغم انعكاسه على مستوى المعيشة، واستمرت الدراسات لزيادة الرسوم للكثير من الخدمات وسط استغراب لجهل الغاية من سياسة كهذه. وكان إيجابياً العمل الجدي بموضوع القروض المتعثرة وقد بوشر بتحصيلها وجرى تحصيل جزء كبير منها، وكذلك فتح موضوع إعادة تقييم أملاك الدولة التي كانت تؤجر بأسعار زهيدة وسط فساد علني غير عابئ بأي مسؤولية، وكذلك كان العام الماضي إيجابياً من ناحية التخفيف من أغلب الأزمات (المازوت، الغاز، الأدوية).

ومن مزايا العام المنصرم طرح مشروع الإصلاح الإداري وفق رؤية صائبة وتحليل عميق ودقيق للواقع وعلاجات صحيحة، ولكن لم يبدأ العمل به وكانت أهم بنوده التعيين على أساس الكفاءة والنزاهة، وتفعيل دور المتابعة والمراقبة والمحاسبة للإحاطة بالفساد المستشري بشكل غير طبيعي يستثمر جزء منه من تجار الأزمة تجار الدم، الفساد الذي لم يستثن أي قطاع ومنها التعليم والقضاء، وحتى نهج تحويل أغلب المشافي لهيئات، وكذلك لوحظ تعافي السياحة وخاصة الداخلية بانتظار عودة العافية للصناعة السياحية التي كانت رافداً كبيراً لموازنتنا. المهم وإن كان هناك تقصير عما حققته المؤسسة العسكرية من إنجازات ولكن اللبنات الأولية الأساسية للانطلاقة الفعالة قد وضعت بانتظار وضعها موضع التطبيق والعمل لمكافأة المواطن الذي صبر واحترام الدماء التي فاضت، والأمل كبير والإمكانات متوفرة وسيكون العام القادم عام الوطن والمواطن والسياسات الهادفة لتحقيق العدالة الاجتماعية قدر الإمكان لمواطن يراعي ظروف بلده ولكنه يتطلع إلى استثمار الموارد والطاقات الاستثمار الصحيح.

العدد 1107 - 22/5/2024