أهي عودة إلى المربع الأول؟

يمكن اعتبار العريضة التي قدمها 50 دبلوماسياً أمريكياً إلى الرئيس (أوباما) يطالبون فيها بتوجيه ضربات عسكرية إلى الجيش العربي السوري- سابقة خطيرة من نوعها، وباعتبار أن نصّ هذه العريضة لم يُعلن رسمياً من قبل الإدارة الأمريكية، فقد تسرب عنها أنها تتضمن انتقاداً للسياسة التي سلكتها الإدارة الأمريكية خلال السنوات الخمس الماضية حيال الأزمة السورية، والتي كانت ترفض فيها استعمال القوة تجاه سورية، وتوكل لأتباعها في المنطقة كالسعودية وتركيا وقطر القيام بهذه المهمة (أي الحرب بالوكالة).

كل المتتبعين السياسيين رأوا في هذه العريضة سابقة سياسية عالمية من حيث أهمية مصدريها ومواقعهم حيال إمكانية رسم سياسة أمريكية جديدة تتبنى خيار الحل العسكري.

السؤال الآن: إلى أي مدى يمكن لهذا الضغط الجديد على أوباما أن ينجح في تغيير أسلوب التعاطي الأمريكي مع الأزمة السورية؟ وهل بالإمكان أن يجتذب هذا الضغط فئات من كبار الضباط العسكريين الذين اشتهروا بموقفهم الرافض للحل العسكري، وبالتالي يكون لهذه العريضة الانشقاقية، كما أسميت، تأثير أكبر على السياسة الأمريكية حيال سورية؟

فإذا كان موقف الدبلوماسيين هذا، ينبع من يأسهم من إمكانية الوصول إلى حل سلمي، فالأولى بهم أن يراجعوا أسباب التعثر الحاصل في العملية السياسية، وأسباب الغموض الذي يحيط بإمكانية استئناف جنيف 3 ومن هذه الأسباب:

الموقف من الفصائل الإرهابية المتشدّدة والمشمولة بالهدنة، ومن تمثيل المعارضة بوفد موحد أم بعدة وفود، والموقف من وفد المعارضة الداخلية، إضافة إلى الخلاف الكبير حول تفسير (الهيئة الانتقالية).

إن جميع هذه البنود والمواقف، تتخذ منها الإدارة الأمريكية الموقف المتشدد ذاته الذي تقفه وفود المعارضة الخارجية التي يكاد لا يكون لها موقف خارج إطار الموقف الأمريكي، مع ضرورة الانتباه إلى أن موقف معظم فصائل المعارضة الخارجية يستمد وجوده وقدراته من وجود الفصائل المسلحة وقدراتها، وليس من قواها الذاتية. إن الاستقواء بالإمكانيات القتالية لهذه الفصائل هو أيضاً مصدر تشدد هذه الفصائل المسلحة، التي هي أيضاً تستمد قدراتها من الدعم الأمريكي الذي لولاه لأخذت القضية منحى آخر.

إذاً، الإدارة الأمريكية لم تقصّر أبداً في اتخاذ المواقف السياسية المتشددة التي يريدها هؤلاء الدبلوماسيون (المنشقون)، أما إذا كانوا يلوحون بالحل العسكري، فهو أيضاً حل جرّبته الإدارة الأمريكية الحالية وتجري ممارسته عملياً بالوكالة من خلال التدخل التركي المسلح الذي لولاه لما تمكنت الفصائل المسلحة من الوجود أصلاً، وهو تدخل يجري تمويله بكرم سعودي لا نظير له في تاريخ الحروب الإقليمية، وهو البديل الذي اختارته القيادة الأمريكية الحالية لتدخلها المباشر الذي يعرف القادة العسكريون الأمريكان أنه ليس نزهة، بالنظر إلى الإمكانات التي تملكها سورية، وأيضاً بالتعاون الوثيق بينها وبين الأصدقاء الروس والإيرانيين.

أما إذا كان هؤلاء الدبلوماسيون يستعملون وثيقتهم هذه من أجل الضغط السياسي على الموقف السوري والروسي، فليس لهم إلا مراجعة أحداث السنوات الخمس السابقة التي برهن فيها السوريون وحلفاؤهم أن صمودهم وقدرتهم على المقاومة ليس لهما حدود.

وإذا كان الهدف الكامن وراء هذا التحرك الدبلوماسي (العسكري) هو نسف الجهود السياسية التي تحققت حتى الآن من خلال جنيف وفيينا وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، والعودة بالأمور إلى المربع الأول، فإن ذلك سوف يعني استمرار الكارثة التي تتحمل أمريكا مسؤوليتها.

العدد 1105 - 01/5/2024